الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإذا قيل: إن السواد والبياض، أو السوادين اشتركا في الوجود، فهو كقولنا: اشتركا في التحقيق والثبوت، وأن لكل واحد ماهية، ولا يقتضي هذا تماثلهما في شيء من الأشياء، فإن ما وجد في الخارج لكل منهما أمر يخصه، فإذا لم يكن الموجود في الخارج منهما متماثلا، كالسواد مع البياض، لم يكونا متماثلين.

وكذلك إذا قدر واجبان، وقيل: اشتركا في الوجوب، وامتاز أحدهما عن الآخر بالتعين.

قيل: ما في الخارج ليس فيه اشتراك، وإنما اشتركا في وجوب [ ص: 118 ] مطلق كلي، كما اشتركا في تعين مطلق كلي، وهذا الواجب المعين لم يشركه غيره في وجوبه المعين،، كما لم يشركه في تعينه المعين، بل كل منهما حقيقته الموجودة في الخارج هي الشيء الموجود في الخارج، كما أن حقيقة الممكن المحدث الموجودة في الخارج هي نفس الموجود في الخارج، وليس في الخارج حقيقة سوى الشيء المعين الموجود، حتى يقال: إن الوجود عارض لها أو لازم، بل إن كان الشيء الموجود في الخارج من المحدثات، كان موجودا تارة، ومعدوما أخرى، والموجود هي حقيقته الثابتة في الخارج، والمعدوم تلك الحقيقة وهي مجعولة مفعولة مصنوعة، وأما الحقيقة المتصورة في الذهن، فتلك هي وجوده الذهني العلمي، وتلك تحصل بالأسباب المحصلة للعلم،، كما تحصل الخارجة بالأسباب المحصلة للوجود، وما ثم إلا هذا أو هذا، فتقدير حقيقة لا في العلم ولا في الوجود، تقدير مالا حقيقة له، بل هو فرض ممتنع يتصوره الذهن،، كما يتصور ما لا يمكن وجوده لا في العلم ولا في الخارج، فإن تصور ما لا يمكن وجوده أعظم من تصورنا ما لا يوجد، وهو متصور من هذه الجهة العامة، حتى يحكم عليه بنفي التصور الخاص، ولولا تميزه في الذهن مجملا، لما أمكن الحكم على أفراده بالامتناع.

ويبين هذا بالكلام على النظم الذي ذكره لهم الآمدي، وجعله الغاية التي لا يرد عليها شيء، وهو قوله: "لو كان وجوب الوجود [ ص: 119 ] مشتركا بين شيئين فالشيئان: إما متفقان من كل وجه، أو مختلفان من كل وجه، أو متفقان من وجه دون وجه.

إلى قوله: "وإن اتفقا من وجه دون وجه، ومسمى واجب الوجود هو ما اشتركا فيه، فمسمى واجب الوجود يكون مشتركا، فإما أن يتم تحقق [مسمى] واجب الوجود في كل واحد من الشيئين، بدون ما به التخصيص والتمايز، أو لا يتم بدونه، والأول محال، وإلا كان الأمر المطلق المشترك مشخصا في العيان بدون ما به التخصيص، وهو محال، والثاني يوجب افتقار مسمى واجب الوجود إلى أمر خارج عن المفهوم من اسمه، فلا يكون واجبا بذاته.

التالي السابق


الخدمات العلمية