وكذلك أيضا من عرف أن امتنع أن يعارض بها دليلا ظنيا عنده، فضلا عن أن يعارض بها دليلا يقينيا عنده، ولهذا كان الذين صرحوا بتقديم الأدلة العقلية على الشرعية مطلقا، معقولاتهم التي يعارضون بها الشرع باطلة، كأبي حامد والرازي ومن تبعهم، ليس فيهم من يستفيد من الأنبياء علما بما أخبروا به، إذا لم يكونوا مقرين بأن الرسول بلغ البلاغ المبين المعصوم، بل إيمانهم بالنبوة فيه ريب: إما لتجويز أن يقول خلاف ما يعلم، كما يقول وأمثاله، وإما لتجويز أن يكون لا عالما بذلك، كما تقوله طائفة أخرى، وإما لأنه جائز في النبوة - لم يجزم بعد بأن النبي معصوم فيما يقوله، وأنه بلغ البلاغ المبين، فلا تجد [أحدا] ممن يقدم المعقول مطلقا على خبر الرسول إلا وفي قلبه مرض في إيمانه بالرسول، فهذا محتاج أولا إلى أن يعلم أن ابن سينا محمدا رسول الله الصادق المصدوق، الذي لا يقول على الله إلا الحق، وأنه بلغ البلاغ المبين، وأنه معصوم عن أن يقره الله على خطأ فيما بلغه وأخبر [ ص: 343 ] به عنه، ومن ثبت هذا الإيمان في قلبه امتنع مع هذا أن يجعل ما يناقض خبر الرسول مقدما عليه.