ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبو حامد في كتاب "الإحياء" كلاما طويلا في علم الظاهر والباطن، قال: (وذهبت طائفة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=28712التأويل فيما يتعلق بصفات الله تعالى، وتركوا ما يتعلق بالآخرة على ظواهره، ومنعوا التأويل وهم
الأشعرية) - أي متأخروهم الموافقون لصاحب "الإرشاد"- قال: (وزاد
المعتزلة عليهم حتى أولوا كونه سميعا بصيرا، والرؤية والمعراج وإن لم يكن بالجسد، وأولوا عذاب القبر والميزان، والسراط، وجملة من أحكام الآخرة، ولكن أقروا بحشر الأجساد وبالجنة واشتمالها على المأكولات) .
[ ص: 348 ]
قلت: تأويل الميزان، والصراط، وعذاب القبر، والسمع والبصر، إنما هو قول البغداديين من
المعتزلة دون البصرية.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبو حامد: "وبترقيهم إلى هذا الحد زاد
الفلاسفة فأولوا كل ما ورد في الآخرة إلى أمور عقلية روحانية ولذات عقلية".
إلى أن قال: "وهؤلاء هم المسرفون في التأويل. وحد الاقتصاد بين هذا وهذا دقيق غامض لا يطلع عليه إلا الموفقون، الذين يدركون الأمور بنور إلهي، لا بالسماع. ثم إن انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هم عليه، ونظروا إلى السمع والألفاظ الواردة فيه، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف أولوه. فأما من يأخذ هذه الأمور كلها من السمع فلا يستقر له قدم".
قلت: هذا الكلام مضمونه أنه لا يستفاد من خبر الرسول صلى الله عليه وسلم شيء من الأمور العلمية، بل إنما يدرك ذلك كل إنسان بما حصل له من المشاهدة والنور والمكاشفة.
وهذان أصلان للإلحاد، فإن كل ذي مكاشفة إن لم يزنها بالكتاب والسنة، وإلا دخل في الضلالات.
[ ص: 349 ] nindex.php?page=treesubj&link=31139_31201وأفضل أولياء الله من هذه الأمة أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر رضي الله عنهما، nindex.php?page=treesubj&link=31206وأفضل من كان محدثا من هذه الأمة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، للحديث وللحديث الآخر: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=11267إن الله ضرب الحق على لسان nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وقلبه» ، ومع هذا
nindex.php?page=treesubj&link=28812_31139فالصديق أفضل منه، لأن الصديق إنما يأخذ من مشكاة الرسالة لا من مكاشفته ومخاطبته، وما جاء به الرسول معصوم لا يستقر فيه الخطأ، وأما ما يقع لأهل القلوب من جنس المخاطبة والمشاهدة ففيه صواب وخطأ، وإنما يفرق بين صوابه وخطئه بنور النبوة،، كما كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر يزن ما يرد عليه بالرسالة، فما وافق ذلك قبله، وما خالفه رده.
قال بعض الشيوخ ما معناه: قد ضمنت لنا العصمة فيما جاء به الكتاب والسنة، ولم تضمن لنا العصمة في الكشوف. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12032أبو سليمان الداراني: إنه لتمر بقلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين اثنين: الكتاب والسنة.
وقال
أبو عمرو إسماعيل بن نجيد: كل ذوق أو كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14020الجنيد بن محمد: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يصلح له أن يتكلم في علمنا. وقال
سهل أيضا: يا معشر المريدين لا تفارقوا السواد على البياض، فما فارق أحد السواد على البياض إلا تزندق.
[ ص: 350 ]
وهذا وأمثاله كثير في كلام الشيوخ العارفين، يعلمون أنه لا تحصل لهم] حقيقة التوحيد والمعرفة واليقين، إلا بمتابعة المرسلين، وقد يحصل لهم من الدلائل العقلية القياسية البرهانية، ومن المخاطبات والمكاشفات العيانية، ما يصدق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.
كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد [سورة فصلت: 53] .
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=6ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط [سورة سبأ: 6] .
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى [سورة الرعد: 19] .
وتجد كثيرا من السالكين طريق العلم والنظر والاستدلال، الذين اشتبهت عليهم الأمور، وتعارضت عندهم الأدلة والأقيسة، يحسنون الظن بطريق أهل الإرادة والعبادة والمجاهدة، ظانين أنه ينكشف بها الحقائق.
ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847أَبُو حَامِدٍ فِي كِتَابِ "الْإِحْيَاءِ" كَلَامًا طَوِيلًا فِي عِلْمِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، قَالَ: (وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28712التَّأْوِيلِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَرَكُوا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ عَلَى ظَوَاهِرِهِ، وَمَنَعُوا التَّأْوِيلَ وَهُمُ
الْأَشْعَرِيَّةُ) - أَيْ مُتَأَخِّرُوهُمُ الْمُوَافِقُونَ لِصَاحِبِ "الْإِرْشَادِ"- قَالَ: (وَزَادَ
الْمُعْتَزِلَةُ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَوَّلُوا كَوْنَهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، وَالرُّؤْيَةَ وَالْمِعْرَاجَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْجَسَدِ، وَأَوَّلُوا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالْمِيزَانَ، وَالسِّرَاطَ، وَجُمْلَةً مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، وَلَكِنْ أَقَرُّوا بِحَشْرِ الْأَجْسَادِ وَبِالْجَنَّةِ وَاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَأْكُولَاتِ) .
[ ص: 348 ]
قُلْتُ: تَأْوِيلُ الْمِيزَانِ، وَالصِّرَاطِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، إِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ دُونَ الْبَصَرِيَّةِ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847أَبُو حَامِدٍ: "وَبِتَرَقِّيهِمْ إِلَى هَذَا الْحَدِّ زَادَ
الْفَلَاسِفَةُ فَأَوَّلُوا كُلَّ مَا وَرَدَ فِي الْآخِرَةِ إِلَى أُمُورٍ عَقْلِيَّةٍ رُوحَانِيَّةٍ وَلَذَّاتٍ عَقْلِيَّةٍ".
إِلَى أَنْ قَالَ: "وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُسْرِفُونَ فِي التَّأْوِيلِ. وَحَدُّ الِاقْتِصَادِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا دَقِيقٌ غَامِضٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا الْمُوَفَّقُونَ، الَّذِينَ يُدْرِكُونَ الْأُمُورَ بِنُورٍ إِلَهِيٍّ، لَا بِالسَّمَاعِ. ثُمَّ إِنِ انْكَشَفَتْ لَهُمْ أَسْرَارُ الْأُمُورِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَنَظَرُوا إِلَى السَّمْعِ وَالْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، فَمَا وَافَقَ مَا شَاهَدُوهُ بِنُورِ الْيَقِينِ قَرَّرُوهُ، وَمَا خَالَفَ أَوَّلُوهُ. فَأَمَّا مِنْ يَأْخُذُ هَذِهِ الْأُمُورَ كُلَّهَا مِنَ السَّمْعِ فَلَا يَسْتَقِرُّ لَهُ قَدَمٌ".
قُلْتُ: هَذَا الْكَلَامُ مَضْمُونُهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ خَبَرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ مِنَ الْأُمُورِ الْعِلْمِيَّةِ، بَلْ إِنَّمَا يُدْرِكُ ذَلِكَ كُلُّ إِنْسَانٍ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْمُشَاهَدَةِ وَالنُّورِ وَالْمُكَاشَفَةِ.
وَهَذَانِ أَصْلَانِ لِلْإِلْحَادِ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي مُكَاشَفَةٍ إِنْ لَمْ يَزِنْهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِلَّا دَخَلَ فِي الضَّلَالَاتِ.
[ ص: 349 ] nindex.php?page=treesubj&link=31139_31201وَأَفْضَلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، nindex.php?page=treesubj&link=31206وَأَفْضَلُ مَنْ كَانَ مُحَدِّثًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ، لِلْحَدِيثِ وَلِلْحَدِيثِ الْآخَرِ: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=11267إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ وَقَلْبِهِ» ، وَمَعَ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28812_31139فَالصَّدِيقُ أَفْضَلُ مِنْهُ، لِأَنَّ الصَّدِيقَ إِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْ مِشْكَاةِ الرِّسَالَةِ لَا مِنْ مُكَاشَفَتِهِ وَمُخَاطَبَتِهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مَعْصُومٌ لَا يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْخَطَأُ، وَأَمَّا مَا يَقَعُ لِأَهْلِ الْقُلُوبِ مِنْ جِنْسِ الْمُخَاطَبَةِ وَالْمُشَاهِدَةِ فَفِيهِ صَوَابٌ وَخَطَأٌ، وَإِنَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ صَوَابِهِ وَخَطَئِهِ بِنُورِ النُّبُوَّةِ،، كَمَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ يَزِنُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ بِالرِّسَالَةِ، فَمَا وَافَقَ ذَلِكَ قَبِلَهُ، وَمَا خَالَفَهُ رَدَّهُ.
قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَا مَعْنَاهُ: قَدْ ضُمِنَتْ لَنَا الْعِصْمَةُ فِيمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَلَمْ تُضْمَنْ لَنَا الْعِصْمَةُ فِي الْكُشُوفِ. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12032أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: إِنَّهُ لَتَمُرُّ بِقَلْبِي النُّكْتَةُ مِنْ نُكَتِ الْقَوْمِ فَلَا أَقْبَلُهَا إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ اثْنَيْنِ: الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَقَالَ
أَبُو عَمْرٍو إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ: كُلُّ ذَوْقٍ أَوْ كُلُّ وَجْدٍ لَا يَشْهَدُ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَهُوَ بَاطِلٌ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14020الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: عِلْمُنَا هَذَا مُقَيَّدٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَمَنْ لَمْ يَقْرَأِ الْقُرْآنَ وَيَكْتُبِ الْحَدِيثَ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي عِلْمِنَا. وَقَالَ
سَهْلٌ أَيْضًا: يَا مَعْشَرَ الْمُرِيدِينَ لَا تُفَارِقُوا السَّوَادَ عَلَى الْبَيَاضِ، فَمَا فَارَقَ أَحَدٌ السَّوَادَ عَلَى الْبَيَاضِ إِلَّا تَزَنْدَقَ.
[ ص: 350 ]
وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الشُّيُوخِ الْعَارِفِينَ، يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ لَهُمْ] حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْيَقِينِ، إِلَّا بِمُتَابَعَةِ الْمُرْسَلِينَ، وَقَدْ يَحْصُلُ لَهُمْ مِنَ الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ الْقِيَاسِيَّةِ الْبُرْهَانِيَّةِ، وَمِنَ الْمُخَاطِبَاتِ وَالْمُكَاشَفَاتِ الْعِيَانِيَّةِ، مَا يُصَدِّقُ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 53] .
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=6وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ [سُورَةُ سَبَأٍ: 6] .
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [سُورَةُ الرَّعْدِ: 19] .
وَتَجِدُ كَثِيرًا مِنَ السَّالِكِينَ طَرِيقَ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، الَّذِينَ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمُ الْأُمُورُ، وَتَعَارَضَتْ عِنْدَهُمُ الْأَدِلَّةُ وَالْأَقْيِسَةُ، يُحْسِنُونَ الظَّنَّ بِطَرِيقِ أَهْلِ الْإِرَادَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ، ظَانِّينَ أَنَّهُ يَنْكَشِفُ بِهَا الْحَقَائِقُ.