وابن سبعين يقول: إنه بين العلم الذي رمز إليه هرامس الدهور الأولية، ورامت إفادته الهداية النبوية. فعلى قوله: إن الأنبياء راموا إفادته وما أفادوه. [ ص: 361 ]
وهكذا وطائفة من المتفلسفة يقولون: إن الفيلسوف أفضل من النبي وأكمل منه، الشيعة من الإسماعيلية ونحوهم، يقولون: إن أئمتهم كمحمد بن إسماعيل بن جعفر ونحوه، أفضل من موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم أجمعين. ملاحدة
ثم إن هذا كثر في طوائف من جهال البربر والأكراد، والفرس والعرب، يعتقدون في شيخهم أنه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن شيوخه هؤلاء من يكون منافقا زنديقا.
ومن قال في أئمة الإسماعيلية وأمثالهم من الشيوخ المنافقين والفاسقين: إنه أفضل من الرسل، فإن هؤلاء شر من النصارى، فإن إبراهيم الخليل وموسى وداود، وغيرهم من الأنبياء والحواريون كانوا مؤمنين، فإذا كان من قال هذا من النصارى من أجهل الناس وأكفرهم، فمن فضل ملحدا من الملاحدة على أنبياء الله ورسله، كان كفره أعظم من كفر النصارى من هذا الوجه. [ ص: 362 ] النصارى يزعمون أن الحواريين وأمثالهم أفضل من
بل هؤلاء قد يكونون شرا ممن يفضل من النصارى على إبراهيم وموسى وداود وسليمان وغيرهم، كبولص وأمثاله، الذين يقال: إنهم ابتدعوا للنصارى ما ابتدعوه من الضلالات وأضلوهم، وأدخلوا في دين المسيح من دين المشركين والصابئين، من الروم وأمثالهم، ما أفسدوا به دين المسيح صلى الله عليه وسلم، وجعلوا النصارى على الضلالات التي فارقوا بها دين المسيح، حتى قال من قال من العلماء: إن النصارى صاروا على مذهب الروم المشركين، لا أن الروم صاروا على دين النصارى، فإن أولئك غيروا شريعة دين المسيح، مستبدلين بها ما استبدلوه من شرائع المشركين، وغايتهم أنهم ركبوا دينا من دين الفلاسفة والصابئين والمشركين ودين النصارى، كما صنع ماني لما ركب دينا من دين المجوس ودين النصارى. [ ص: 363 ]
فإذا كان هؤلاء من أجهل الناس وأكفرهم، فمن جعل أئمة الملاحدة الباطنية أفضل من محمد وإبراهيم وموسى وعيسى، كان أكفر من هؤلاء.
وهؤلاء الملاحدة ركبوا مذهبا من دين المجوس ودين الصابئين ودين رافضة هذه الأمة، فطافوا على أبواب المذاهب، وفازوا بأخس المطالب، فإنهم يبطنون من مناقضة الرسل وإبطال ما جاءوا به، ما لم يبطنه أتباع بولص وأمثاله من النصارى.
ومن لم يصل إلى هذا الحد من ملاحدة المتكلمين والمتعبدين ونحوهم، فقد شاركهم في الأصل، وهو تفضيل أئمته وشيوخه على الأنبياء، ومن لم يقر منهم بتفضيل أئمته وشيوخه على الأنبياء لزمه ذلك لزوما لا محيد عنه، كما تقدم، إذا جعل العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله والمعاد لا يستفاد من خطاب الأنبياء وكلامهم، وبيانهم وطريقهم التي بينوها. وإنما يستفاد من كلام شيوخه وأئمته.