[ ص: 3 ] قلت: ولقائل أن يقول: ثبت من طرق: تقرير العلو بالأدلة العقلية
أحدها: أن يقال: إذا ثبت بالعقل أنه مباين للمخلوقات، وثبت أن العالم كري، وأن العلو المطلق فوق الكرة، لزم أن يكون في العلو بالضرورة.
وهذه مقدمات عقلية ليس فيها خطابي، وذلك لأن العالم إذا كان مستديرا فله جهتان حقيقيتان: العلو والسفل فقط، وإذا كان مباينا للعالم، امتنع أن يكون في السفل داخلا فيه، فوجب أن يكون في العلو مباينا له. وقد تقدم أن النافي قال: (إن العالم كرة) واستدل على ذلك بالكسوف القمري إذا كان يتقدم في الناحية الشرقية على الغربية.
والقول بأن الفلك مستدير هو قول جماهير علماء المسلمين، والنقل بذلك ثابت عن الصحابة والتابعين، بل قد ذكر أبو الحسين ابن المنادى، وأبو محمد بن حزم، وغيرهم: أنه ليس في ذلك خلاف بين الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء المسلمين، وقد نازع في ذلك طوائف من أهل الكلام والرأي، من وابن الجوزي، الجهمية والمعتزلة وغيرهم.
وقال الله تعالى: وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون [سورة الأنبياء: 33] ، وقال: لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون [سورة يس: 40] . [ ص: 4 ]
قال وغيره: في فلكة، مثل فلكة المغزل. ابن عباس
وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي رواه جبير بن مطعم أبو داود وغيرهما، والترمذي وهذا مبسوط في غير هذا الموضع. أن أعرابيا قال: يا رسول الله، جهدت الأنفس وجاع العيال وهلك المال فادع الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجوه الصحابة، ثم قال: (ويحك أتدري ما الله؟ شأن الله أعظم من ذلك. إن الله لا يستشفع به أحد من خلقه، إن عرشه على سماواته هكذا، وقال بأصابعه مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل الجديد براكبه.
وإذا كان الخصم قد استدل بذلك، كان ذلك حجة عليه، فإذا كان العالم كريا - وقد ثبت بالضرورة أنه: إما مداخل له، وإما مباين له وليس بمداخل له - وجب أن يكون مباينا له، وإذا كان مباينا له، وجب أن يكون فوقه، إذ لا فوق إلا المحيط وما كان وراءه. [ ص: 5 ]