الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ودلائل الجهمية النفاة: هو استدلالهم بدليل الجواهر والأعراض، فإنهم زعموا أن الأعيان المشاهدة كالسماوات [والأرض] مركبة من الجواهر المنفردة، أو من المادة والصورة، وأن المركب مسبوق بجزئه، ومفتقر إلى مركب يركبه، فيكون محدثا وممكنا، وما قام بها من الصفات والحركات أعراض، والأعراض - أو بعضها - حادثة، وما كان شخصه حادثا، وجب أن يكون نوعه حادثا، فيمتنع وجود حوادث لا تتناهى، قالوا: بهذا عرفنا أن السماوات مخلوقة، وبذلك عرفنا أن الله موجود، فلزمهم على ذلك أن ينفوا صفات الله وأفعاله، وذلك باطل شرعا وعقلا، ولم يكن ما أقاموه دليلا صحيحا، فلا هم عرفوا الحق بدليل صحيح قويم، ولا [ ص: 179 ] [هم] نصروا بميزان مستقيم، ولكنهم قد يقابلون الفاسد بالفاسد، فإن أعداد الملة قد يقيمون شبهة على نقيض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، كشبهة الدهرية على قدم السماوات، فيقابلون ذلك بفاسد آخر، كاستدلالهم على حدوث ذلك بدليل الأعراض والصفات.

وحفظ مثل هذا الكلام لاعتقاد العوام، كدفع المظلمة عنهم بعقوبات فيها عدوان، ومن ظن أن الخلف أعلم بالحق وأدلته، أو المناظرة فيه من السلف، فهو بمنزلة من زعم أنهم أقوم بالعلم والجهاد وفتح البلاد منهم، وكلا الظنين طريق من لم يعرف حقيقة الدين، ولا حال السلف السابقين.

وهذا مثل كلام الرافضة وأمثالهم من أهل الفرية، الذي يتضمن قولهم التكذيب بالحق والتصديق بالباطل، فهؤلاء فيما يحدثون به من الكذب، ويكذبون به من الصدق في المقولات، بمنزلة أهل الكلام الباطل في البحث والنظر، كالجهمية الذين يكذبون بالحق ويصدقون بالباطل في العقليات.

ولهذا كان غير واحد من السلف يقرن بين الجهمية والرافضة، وهما شر أهل الأهواء، وكان الكلام المذموم عند السلف أعظم من الشهادة بالزور وظلم الحق. [ ص: 180 ]

وذلك لأن الكاذب الظالم إذا علم أنه كاذب ظالم، كان معترفا بذنبه، معتقدا لتحريم ذلك، فترجى له التوبة، ويكون اعتقاده التحريم، وخوفه من الله تعالى من الحسنات التي يرجى أن يمحو الله بها سيئاته.

وأما إذا كذب في الدين معتقدا أن كذبه صدق، وافترى على الله ظانا أن فريته حق، فهذا أعظم ضررا وفسادا.

ولهذا كان السلف يقولون: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها.

ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال الخوارج المبتدعين مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم، ونهى عن الخروج على أئمة الظلم، وأمر بالصبر عليهم.

وكان يجلد رجلا يشرب الخمر فلعنه رجل، فقال: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله.

وجاءه ذو الخويصرة التميمي وبين عينيه أثر السجود، فقال: يا محمد اعدل فإنك لم تعدل. فقال: ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أعدل.

ثم قال: يخرج من ضئضئي هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم وقراءته [ ص: 181 ] مع قراءتهم.

يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة.


فهذا المبتدع الجاهل لما ظن أن ما فعله الرسول ليس بعدل، كان ظنه كاذبا، وكان في إنكاره ظالما، وهذا حال كل مبتدع نفى ما أثبته الله تعالى، أو أثبت ما نفاه الله، أو اعتقد حسن ما لم يحسنه الله، أو قبح ما لم يكرهه الله، فاعتقادهم خطأ، وكلامهم كذب، وإرادتهم هوى، فهم أهل شبهات في آرائهم، وأهواء في إرادتهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية