الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولفظ "الحركة" لفظ مشهور يتداوله الخاصة والعامة، فلا يحوز أن يكون مفهومه ما لا يتصوره المخاطبون به. وهذا بعينه ما يقال لهؤلاء النفاة الذين يسمون نفيهم توحيدا، فيقال هذا الواحد الذي تثبتونه، وهو أنه لا يشار إليه، ولا يتميز منه شيء عن شيء، ونحو ذلك - أمر لا يتصوره إلا بعض الناس، بل قليل منهم، والذين تصوروه تنازعوا في إمكان وجوده في الخارج، فمنهم من قال: وجود هذا في الخارج ممتنع، وإن كان كذلك، ولفظ الواحد مشهور في اللغات كلها أشهر من لفظ "الحركة" ، فلا يجوز أن يكون مسمى هذا الاسم في اللغة المعروفة معنى لا يتصوره إلا قليل من الناس، وهم متنازعون في إمكان ثبوته في الخارج، وإذا لم يكن هذا المعنى هو المراد بلفظ "الواحد" و "الأحد" ، لم يجز الاستدلال بالسمع الوارد بلغة العرب على هذا. [ ص: 119 ]

ولو قيل: إنه يجوز استعمال لفظ "الواحد" في لغتهم في هذا المعنى: إما بطريق المجاز والاشتراك أو التواطؤ.

قيل: هب أنه يجوز لمن بعدهم أن يستعمل ذلك، لكن نحن نعلم أنهم لم يستعملوه في ذلك، لأنهم لم يكونوا يثبتون هذا المعنى، وبتقدير أن يكون مستعملا في هذا وهذا، فإنه يكون دالا على ما به الاشتراك، فلا يدل على ما يمتاز به أحدهما عن الآخر، فلا يدل على محل النزاع، ولو قدر أنه حقيقة في أحدهما: مجاز في الآخر، لكان حقيقة في المعنى الذي يسبق إلى أفهام الناس عند الإطلاق، وهو المعروف. ولو قدر أنه مشترك اشتراكا لفظيا لم يجز تعيين محل النزاع إلا بقرينة تدل على تعيينه، والقرائن اللفظية إنما تدل على نقيض قولهم، لا على عين قولهم، فإنه ليس في الكتاب إثبات واحد بالمعنى الذي ادعوه، فضلا عن أن يكون الله موصوفا به.

وهذا "الواحد" الذي يثبته هؤلاء من جنس الأحوال التي يثبتها أولئك، ومن جنس الشيء المعدوم الذي يثبته من يقول: المعدوم شيء، ومن جنس الكليات والمجردات، كالعقول والمادة والصورة العقلية التي يثبتها الفلاسفة، فهؤلاء يثبتون في الخارج ما لا وجود له في الخارج، لكن مثبتة الأحوال أعقل، ولهذا كان فيهم من هو من أهل الإثبات، فإنهم عرفوا أنها ليست موجودة في الخارج، لكن تناقضوا حيث قالوا: لا موجودة ولا معدومة، فصاروا مشابهين للقرامطة الباطنية المتفلسفة، الذين يقولون: لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت. ومن قال: المعدوم شيء، وهو ثابت وليس بموجود - يشبه المتفلسفة الذين جعلوا [ ص: 120 ] الكليات المجردات أمورا موجودة في الخارج، لكن تناقضوا حيث فرقوا بين الوجود والثبوت.

والمقصود أن كل هؤلاء يجمعهم إثبات أمور يدعون أنها موجودة في الخارج، وهي لا يتصورها إلا طائفة قليلة من الناس، فضلا عن أن تكون الألفاظ المعروفة المشهورة في اللغة دالة عليها.

ولا ريب أنهم أخطأوا في المعاني المعقولة، ثم في مدلول الألفاظ المسموعة.

فتبين لك أن قولهم يتضمن من الفرية على اللغة والعقل من جنس ما تضمن من الفرية على الشرع، وأنهم لا يمكنهم أن يقولوا: إن الشرع دال على قولهم بوجه من الوجوه، لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز.

التالي السابق


الخدمات العلمية