الطريق الرابع: أن يقال: خطابي) ليس كذلك، وذلك لأنه قد ثبت بصريح المعقول أن الأمرين المتقابلين إذا كان أحدهما صفة كمال والآخر صفة نقص، فإن الله يوصف بالكمال منهما دون النقص، فلما تقابل الموت والحياة وصف [ ص: 6 ] بالحياة دون الموت، ولما تقابل العلم والجهل وصف بالعلم دون الجهل، ولما تقابل القدرة والعجز وصف بالقدرة دون العجز، ولما تقابل الكلام والبكم وصف بالكلام دون البكم، ولما تقابل السمع والبصر والصمم والعمى وصف بالسمع والبصر دون الصمم والعمى، ولما تقابل الغنى والفقر وصف بالغنى دون الفقر، ولما تقابل الوجود والعدم وصف بالوجود دون العدم، ولما تقابل المباينة للعالم والمداخلة له وصف بالمباينة دون المداخلة، وإذا كان مع المباينة لا يخلو إما أن يكون عاليا على العالم أو مسامتا له، وجب أن يوصف بالعلو دون المسامتة، فضلا عن السفول. قوله (جهة فوق أشرف الجهات،
والمنازع يسلم أنه موصوف بعلو المكانة وعلو القهر، وعلو المكانة معناه أنه أكمل من العالم، وعلو القهر مضمونه أنه قادر على العالم، فإذا كان مباينا للعالم، كان من تمام علوه أن يكون فوق العالم، لا محاذيا له، ولا سافلا عنه، فلا يكون مع وجود غيره إلا عاليا عليه، لا يكون قط غير عال عليه. ولما كان العلو صفة كمال، كان ذلك من لوازم ذاته،
كما ثبت في الصحيح الذي في صحيح وغيره عن مسلم أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر [ ص: 7 ] فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء.
ولهذا كان ولا تكون المخلوقات محيطة به قط، بل هو العلي الأعلى: العلي في دنوه، القريب في علوه. مذهب السلف والأئمة أنه مع نزوله إلى سماء الدنيا لا يزال فوق العرش. لا يكون تحت المخلوقات،
ولهذا ذكر غير واحد إجماع السلف على أن الله ليس في جوف السماوات.
ولكن طائفة من الناس قد يقولون: إنه ينزل ويكون العرش فوقه، ويقولون: إنه في جوف السماء، وإنه قد تحيط به المخلوقات وتكون أكبر منه.
وهؤلاء ضلال جهال، مخالفون لصريح المعقول وصحيح المنقول، كما أن النفاة الذين يقولون: ليس داخل العالم ولا خارجه جهال ضلال، مخالفون لصريح المعقول وصحيح المنقول. فالحلولية والمعطلة متقابلان. [ ص: 8 ]