ثم القائلون بأن هذه الطريق ليست واجبة قد يقولون: إنها في نفسها صحيحة، بل ينهى عن سلوكها لما فيها من الأخطار، كما يذكر ذلك طائفة: منهم الأشعري وغيرهما. والخطابي
وأما السلف والأئمة فينكرون صحتها في نفسها، ويعيبونها لاشتمالها على كلام باطل، ولهذا تكلموا في لأنه باطل في نفسه، لا يوصل إلى الحق، بل إلى باطل، كقول من قال: الكلام الباطل لا يدل إلا على باطل، وقول من قال: لو أوصى بكتب العلم لم يدخل فيها كتب علم الكلام، وقول من قال: من طلب الدين بالكلام تزندق، ونحو ذلك. ذم هذا الكلام
ونحن الآن في هذا المقام نذكر ما لا يمكن مسلما أن ينازع فيه، وهو أنا نعلم بالضرورة أن هذه الطريق لم يذكرها الله تعالى في كتابه، ولا أمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا جعل إيمان المتبعين له موقوفا عليها، فلو كان الإيمان بالله لا يحصل إلا بها لكان بيان ذلك من أهم مهمات الدين، بل كان ذلك أصل أصول الدين، لا سيما وكان يكون فيها أصلان عظيمان: إثبات الصانع، وتنزيهه [ ص: 310 ] عن صفات الأجسام، كما يجعلون هم ذلك أصل دينهم، فلما لم يكن الأمر كذلك علم أن الإيمان يحصل بدونها، بل إيمان أفضل هذه الأمة وأعلمهم بالله كان حاصلا بدونها.
فمن قال بعد هذا: إن العلم بصحة الشرع لا يحصل إلا بهذا الطريق ونحوها من الطرق المحدثة كان قوله معلوم الفساد بالاضطرار من دين الإسلام، وعلم أن القدح في مدلول هذه الطرق ومقتضاها، وأن تقديم الشرع المعارض لها، لا يكون قدحا في العقليات، التي هي أصل الشرع، بل يكون قدحا في أمور لا يفتقر الشرع إليها، ولا يتوقف عليها، وهو المطلوب.
فتبين أن الشرع المعارض لمثل هذه الطرق التي إنها عقليات إذا قدم عليها لم يكن في ذلك محذور.