الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الثامن

أن يقال: المسائل التي يقال: إنه قد تعارض فيها العقل والسمع ليست من المسائل البينة المعروفة بصريح العقل، كمسائل الحساب والهندسة والطبيعيات الظاهرة والإلهيات البينة ونحو ذلك، بل لم ينقل أحد بإسناد صحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم شيئا من هذا الجنس، ولا في القرآن شيء من هذا الجنس، ولا يوجد ذلك إلا في حديث مكذوب موضوع يعلم أهل النقل أنه كذب، أو في دلالة ضعيفة غلط المستدل بها على الشرع.

فالأول: مثل حديث عرق الخيل الذي كذبه بعض الناس على أصحاب حماد بن سلمة، وقالوا: إنه كذبه بعض أهل البدع، واتهموا بوضعه محمد بن شجاع الثلجي، وقالوا: إنه وضعه ورمى به بعض أهل الحديث، ليقال عنهم: إنهم يروون مثل هذا، وهو الذي يقال في متنه: «إنه خلق خيلا فأجراها، فعرقت، فخلق [ ص: 149 ] نفسه من ذلك العرق» تعالى الله عن فرية المفترين وإلحاد الملحدين، وكذلك حديث نزوله عشية عرفة إلى الموقف على جمل أورق، ومصافحته للركبان، ومعانقته للمشاة، وأمثال ذلك: هي أحاديث مكذوبة موضوعة باتفاق أهل العلم، فلا يجوز لأحد أن يدخل هذا وأمثاله في الأدلة الشرعية.

والثاني: مثل الحديث الذي في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى: عبدي مرضت فلم تعدني، فيقول: رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا مرض، فلو عدته لوجدتني عنده، عبدي جعت فلم تطعمني، فيقول: رب كيف أطعمك، وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا جاع، فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي. [ ص: 150 ]

فإنه لا يجوز لعاقل أن يقول: إن دلالة هذا الحديث مخالفة لعقل ولا سمع، إلا من يظن أنه قد دل على جواز المرض والجوع على الخالق سبحانه وتعالى، ومن قال هذا فقد كذب على الحديث.

ومن قال: إن هذا ظاهر الحديث أو مدلوله أو مفهومه فقد كذب، فإن الحديث قد فسره المتكلم به، وبين مراده بيانا زالت به كل شبهة، وبين فيه أن العبد هو الذي جاع وأكل ومرض وعاده العواد، وأن الله سبحانه لم يأكل ولم يعد.

بل غير هذا الباب من الأحاديث، كالأحاديث المروية في فضائل الأعمال على وجه المجازفة، كما يروى مرفوعا: أنه من صلى ركعتين في يوم عاشوراء يقرأ فيهما بكذا وكذا كتب له ثواب سبعين نبيا.

ونحو ذلك، هو عند أهل الحديث من الأحاديث الموضوعة، فلا يعلم حديث واحد يخالف العقل أو السمع الصحيح إلا وهو عند أهل العلم ضعيف، بل موضوع، بل لا يعلم حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي أجمع المسلمون على تركه، إلا أن يكون له حديث صحيح يدل على أنه منسوخ، ولا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 151 ] حديث صحيح أجمع المسلمون على نقيضه، فضلا عن أن يكون نقيضه معلوما بالعقل الصريح البين لعامة العقلاء، فإن ما يعلم بالعقل الصريح البين أظهر مما لا يعلم إلا بالإجماع ونحوه من الأدلة السمعية.

التالي السابق


الخدمات العلمية