قال: الجواب السادس: أن القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح كالهارب من السبع إذا عرض له طريقان متساويان، والعطشان إذا وجد قدحين متساويين.
قلت: هذا جواب أكثر الجهمية المعتزلة، وبه أجاب الرازي في «نهاية العقول» فإنه قال في كتابه المعروف بـ «نهاية العقول» ـ وهو عنده أجل ما صنفه في الكلام ـ قال: قوله في المعارضة الأولى جميع جهات مؤثرية الباري عز وجل لا بد وأن يكون حاصلا في الأزل، ويلزم من ذلك امتناع تخلف العالم عن الباري عز وجل. [ ص: 326 ]
قلنا: هذا إنما يلزم إذا كان موجبا بالذات، أما إذا كان قادرا فلا.
قوله: القادر لما أمكنه أن يفعل في وقت، وأن يفعل قبله وبعده، توقفت فاعليته على مرجح.
قلنا: المعتمد في دفع ذلك ليس إلا أن يقال: القادر لا يتوقف في فعله لأحد مقدوريه دون الآخر على مرجح.
قوله: إذا جاز استغناء الممكن هنا عن المرجح فليجز في سائر المواضع ويلزم منه نفي الصانع.
قلنا: قد ذكرنا أن بديهة العقل فرقت في ذلك بين القادر وبين غيره، وما اقتضت البديهة الفرق بينهما لا يمكن دفعه.
قلت، وهذا الجواب هو جواب معروف عن المعتزلة، وهو وأمثاله دائما في كتبهم يضعون هذا الجواب ويحتجون على المعتزلة في وغيرها بهذه الحجة، هو أنه لا يتصور ترجيح الممكن لا من قادر ولا من غيره، إلا بمرجح يجب عنده وجود الأثر. مسألة خلق الأفعال
فهؤلاء إذا ناظروا الفلاسفة في لم يجيبوهم إلا بجواب مسألة حدوث العالم المعتزلة، وهم دائما إذا ناظروا المعتزلة في مسائل القدر يحتجون عليهم بهذه الحجة التي احتجت بها الفلاسفة، فإن كانت هذه الحجة صحيحة بطل احتجاجهم على المعتزلة، وإن كانت باطلة بطل جوابهم للفلاسفة.
وهذا غلب على المتفلسفة والمتكلمين المخالفين للكتاب والسنة تجدهم دائما يتناقضون، فيحتجون بالمحجة التي يزعمون أنها برهان باهر، ثم في موضع آخر يقولون: إن بديهة العقل يعلم به فساد هذه الحجة.