وأما ما ذكرت من فإنا لا نجيز اجتهاد الرأي في كثير من الفرائض والأحكام التي نراها بأعيننا، وتسمع في آذاننا، فكيف في صفات الله التي لم ترها العيون، وقصرت عنها الظنون؟ غير أنا لا نقول فيها كما قال إمامك اجتهاد الرأي في تكييف صفات الله إن هذه الصفات كلها كشيء واحد، وليس السمع منه غير البصر، ولا الوجه منه غير اليد، ولا اليد منه غير النفس، وأن الرحمن ليس يعرف - بزعمكم - لنفسه سمعا من بصر، ولا بصرا من سمع، ولا وجها من يدين، ولا يدين من وجه، هو كله بزعمكم سمع وبصر ووجه، وأعلى وأسفل. ويد ونفس، وعلم ومشيئة وإرادة، مثل [ ص: 55 ] خلق الأرضين والسماء والجبال والتلال والهواء، التي لا يعرف لشيء منها شيء من هذه الصفات والذوات ولا يوقف لها منها على شيء، فالله المتعالي عندنا أن يكون كذلك، فقد ميز الله في كتابه السمع من البصر فقال: المريسي: إنني معكما أسمع وأرى [ سورة طه: 46] و إنا معكم مستمعون [ سورة الشعراء: 15] وقال: ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم [ سورة آل عمران: 77] ففرق بين الكلام والنظر دون السمع، فقال عند السماع والصوت: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير [ سورة المجادلة: 1]. و لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء [ سورة آل عمران: 181] ولم يقل: قد رأى الله قول التي تجادلك في زوجها.
وقال موضع الرؤية إنه: الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين [ سورة الشعراء: 218، 219 ] وقال تعالى: [ ص: 56 ] وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله [ سورة التوبة: 105] ولم يقل: يسمع الله تقلبك ويسمع الله عملكم، فلم يذكر الرؤية فيما يسمع، ولا السماع فيما يرى، لما أنهما عنده خلاف ما عندكم.
وكذلك قال الله تعالى: ودسر تجري بأعيننا [ سورة القمر:13، 14] واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا [ سورة الطور: 48] ولتصنع على عيني [ سورة طه: 39] ولم يقل لشيء من ذلك: على سمعي. فكما نحن لا نكيف هذه الصفات لا نكذب بها كتكذيبكم، ولا نفسرها كباطل تفسيركم".
ثم قال: "باب الحد والعرش.