الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما قوله: "إنه قادر على الفعل لا يمنعه منه مانع" فكلامه يقتضي أنه لم يزل قادرا على الفعل لا يمنعه منه مانع، وهذا الذي قاله هو الذي عليه جماهير الناس، ولهذا أنكروا على من قال: لم يكن قادرا على الفعل في الأزل. وكان من يبغض الأشعري ينسب إليه هذا، لتنفر عنه قلوب الناس، وأراد أبو محمد الجويني وغيره تبرئته من هذا القول، كما قد ذكرناه في غير هذا الموضع. [ ص: 265 ]

وإذا كان لم يزل قادرا على الفعل كان هذا صفة كمال، فلهذا قال عبد العزيز: "لأن الفعل صفة والله قادر عليه لا يمنعه منه مانع" وقد خلق المخلوقات بفعله فوجدت بالفعل الذي هو الخلق، والفعل الذي هو الخلق بقدرة الله تعالى، والقدرة على خلق المخلوق هي القدرة عليه.

كما قال تعالى: أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى [ سورة يس: 81]، وقوله تعالى: أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى [ سورة القيامة: 40]، وقوله تعالى: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم [ سورة الأنعام: 65] الآية، ونحو ذلك مما فيه وصف الله بالقدرة على الأفعال المتناولة للمفعولات، وفيه بيان أن الخلق ليس هو المخلوق، ولا أن نفس خلقه للسماوات والأرض هو السماوات والأرض، والقدرة التي لم تزل ثم وجدت المخلوقات بدون فعل أصلا.

فيقول له المريسي: فذلك الفعل الذي هو صفته وهو يقدر عليه لا يمنعه منه مانع، إن كان قديما كان كالقدرة، وكان السؤال على كالسؤال عليك، وإن كان حادثا من غير تقدم فعل آخر سألتك عن سبب حدوثه بالقدرة التي لم تزل كما سألتني عن سبب حدوث تقدم فعل آخر سألتك عن سبب حدوثه بالقدرة التي لم تزل كما سألتني عن سبب حدوث المخلوق بالقدرة التي لم تزل، وإن كان ذلك الفعل كان بفعل آخر وتسلسل [ ص: 266 ] الأمر: لزم تسلسل الأفعال، ولزم أن يكون الفاعل لم يزل يفعل، والخالق لم يزل يخلق.

فيقول له عبد العزيز: لم أقل إنه قديم، بل قلت: إنه صفة، والله قادر عليه، لا يمنعه منه مانع، وما كان مقدورا له لا يمنعه منه مانع لم يجب أن يكون قديما معه، بل إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله.

التالي السابق


الخدمات العلمية