الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال: "ونقول للكرامية: مصيركم إلى إثبات قول حادث مع نفيكم اتصاف الباري به تناقض، إذ لو جاز قيام معنى بمحل من غير أن يتصف المحل بحكمه لجاز شاهدا قيام أقوال وعلوم وإرادات بمحال من غير أن تتصف المحال بأحكام موجبة عن المعاني، وذلك يخلط الحقائق ويجر إلى جهالات".

قال: "ثم نقول لهم: إذا جوزتم قيام ضروب من الحوادث بذاته، فما المانع من تجويز قيام أكوان حادثة بذاته على التعاقب؟ [ ص: 198 ] وكذلك سبيل الإلزام فيما يوافقوننا على استحالة قيامه به من الحوادث.

ومما يلزمهم: تجويز قيام قدرة حادثة وعلم حادث بذاته، على حسب أصلهم في القول والإرادة الحادثين ولا يجدون بين ما جوزوه وامتنعوا عنه فصلا".

قال: "ونقول لهم: قد وصفتم الرب تعالى بكونه متحيزا، وكل متحيز جسم وجرم، ولا يتقرر في المعقول خلو الأجرام من الأكوان، فما المانع من تجويز قيام الأكوان بذات الرب؟ ولا محيص لهم عن شيء مما ألزموه".

قلت: ولقائل أن يقول: هذه الوجوه الأربعة التي ذكرها ليس فيها حجة تصلح لإثبات الظن في الفروع، فضلا عن إثبات يقيني في أصول الدين يعارض به نصوص الكتاب والسنة، فإن غاية هذا الكلام - إن صح - أن الكرامية تناقضوا، وقالوا قولا ولم يلتزموا بلوازمه. [ ص: 199 ]

فيقال: إن كان ما ذكره لازما لزمهم الخطأ: إما في إثبات الملزوم، وإما في نفي اللازم، ولم يتعين الخطأ في أحدهما، فلم لا يجوز أن يكون خطؤهم في نفي اللوازم؟ فإن أقام على ذلك دليلا عقليا كان هو حجة كافية في المسألة وإلا استفدنا خطأ الكرامية في أحد قوليهم، وإن لم يكن ما ذكره لازما لهم لم يفد لا إثبات تناقضهم ولا دليلا في مورد النزاع.

ثم يقال: أما الوجه الأول فحاصله نزاع لفظي: هل يتصف بالحوادث أو لا يتصف؟ كالنزاع في أمثال ذلك، وإذا كان من أصلهم الفرق بين اللازم وغير اللازم، بحيث يسمون اللازم صفة دون العارض، كاصطلاح من يفرق بين الصفات والأفعال فلا يسمى الأفعال صفات وإن قامت بمحل كاصطلاح من يفرق بين الأقوال والأفعال، فلا يسمى ما يتكلم به الإنسان عملا، وإن كان له فيه حركة ونحو ذلك - كانت هذه أمورا اصطلاحية لفظية لغوية، لا معاني عقلية، والمرجح في إطلاق الألفاظ - نفيا وإثباتا - إلى ما جاءت به الشريعة، فقد يكون في إطلاق اللفظ مفسدة وإن كان المعنى صحيحا.

وما ألزمهم إياه في الشاهد: فأكثر الناس يلتزمونه في الأفعال، فإن الناس تفرق في الإطلاقات بين صفات الإنسان وبين أفعاله، كالقيام [ ص: 200 ] والقعود والذهاب والمجيء، فلا يسمون ذلك صفات، وإن قامت بالمحل.

وكذلك العلم الذي يعرض للعالم ويزول، والإرادة التي تعرض له وتزول، قد لا يسمون ذلك صفة له، وإنما يصفونه بما كان ثابتا له كالخلق الثابت.

التالي السابق


الخدمات العلمية