وقال "وقلنا الإمام أحمد: للجهمية: من القائل يوم القيامة: يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله [ سورة المائدة: 116] أليس الله هو القائل؟ قالوا: يكون الله شيئا فيعبر عن الله، كما كون شيئا فعبر لموسى، قلنا: فمن القائل فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم [ سورة الأعراف: 6، 7] أليس الله هو الذي يسأل؟ قالوا: هذا كله إنما يكون شيء فيعبر عن الله، فقلنا: قد فشبهتموه بالأصنام التي تعبد من دون الله ؛ لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك، ولا تزول من مكان إلى مكان. أعظمتم على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم،
فلما [ ص: 296 ] ظهرت عليه الحجة قال: إن الله قد يتكلم، ولكن كلامه مخلوق.
قلنا: وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق، فقد ففي مذهبكم: قد كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق الكلام، وكذلك بنو آدم كانوا لا يتكلمون حتى خلق لهم كلاما، فقد جمعتم بين كفر وتشبيه، فتعالى الله عن هذه الصفة! بل نقول: إن الله لم يزل متكلما إذا شاء، ولا نقول: إن كان ولا يتكلم حتى خلق كلاما، ولا نقول: إنه قد كان لا يعلم حتى خلق علما فعلم، ولا نقول: إنه قد كان ولا قدرة حتى خلق لنفسه قدرة، ولا نقول: إنه قد كان ولا نور له حتى خلق لنفسه نورا، ولا نقول: إنه قد كان ولا عظمة له حتى خلق لنفسه عظمة". شبهتم الله بخلقه حين زعمتم أن كلامه مخلوق،
فقد بين أحمد في هذا الكلام والإنكار على من زعم أنه كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق الكلام. فشبهه بالآدمي الذي كان [ ص: 297 ] لا يتكلم حتى خلق الله له كلاما. فأنكر تشبيهه بالجماد الذي لا يتكلم، وبالإنسان الذي كان قادرا على الكلام حتى خلق الله له الكلام، فكان قادرا على الكلام في وقت دون وقت. وبين الإنكار على النفاة الذين شبهوه بالجمادات التي لا تتكلم ولا تتحرك ولا تزول من مكان إلى مكان، مثل الأصنام المعبودة من دون الله، أن من وصف الله بذلك فقد جمع بين الكفر - حيث سلب ربه صفة الكلام وهي من أعظم صفات الكمال، وجحد ما أخبرت به النصوص - وبين التشبيه.