[ ص: 373 ] قال "ولقائل أن يقول: الحركة والسكون متقابلان تقابل الضدين، أو تقابل العدم والملكة. والبديهة حاكمة باختلاف الضدين في تمام الماهية، وكذا العدم والملكة، وأيضا المسبوقية وصف عرضي لما به الاشتراك، والوصف العرضي لما به الاشتراك يكون ذاتيا للماهية المركبة منهما". الأرموي:
قلت: مضمون ذلك الرازي احتج بأن السكون من جنس الحركة، وإنما يختلفان في كون أحدهما مسبوقا بالغير، وهذا اختلاف في وصف عرضي لا يمنع التماثل في الحقيقة، فمنعه أن بمقدمتين، بل أبطل الأولى بأن المتقابلين تقابل الضدين - كالسواد والبياض، والحلاوة والمرارة، ونحو ذلك - هما مختلفان في الحقيقة، وكذا المتقابلان تقابل العدم والملكة - كالعمى والبصر، والحياة والموت، والعلم والجهل، ونحو ذلك - والحركة مع السكون: إما من هذا وإما من هذا، فكيف تجعل حقيقة أحدهما مماثلة لحقيقة الآخر، وأنهما لا يختلفان إلا بوصف عرضي؟ الأرموي
[ ص: 374 ] وإيضاح هذا: أن الحركة ليست من جنس الحصول المشترك بينها وبين السكون، فإن كون الشيء في هذا الحيز وفي هذا الحيز معقول، مع قطع النظر عن كونه متحركا، فإنه إذا قدر أنه سكن في الحيز الثاني كان هذا الحصول من جنس ذلك الحصول، وأما نفس حركته: فأمر زائد على مطلق الحصول المشترك، ومنع الثانية، وجعل سند منعه: أن قول القائل: "المسبوقية وصف عرضي" إن عنى أنها ليست ذاتية: فلا دليل على ذلك، وإن عنى أنها عرضية لما اشتركا فيه: فالعرض لما به الاشتراك قد يكون ذاتيا للحقيقة المركبة من المشترك والمميز، كالناطقية فإنها تعرض للحيوانية ليست ذاتية لها، ثم إنها ذاتية للإنسانية المركبة من الحيوانية والناطقية.
والرازي قد يمكنه أن يجيب عن هذا بأن كون هذا مسبوقا بهذا إنما هو أمر إضافي، أي هو متأخر عنه، ومثل هذا لا يكون من الصفات الذاتية، كالحركتين المتماثلتين الثانية مع الأولى، فإنهما إذا كانت متماثلتين لم يجز أن يجعل كون إحداهما مسبوقة بالغير دون الأخرى من الصفات الذاتية المفرقة بينهما.