الوجه الثالث.
قوله: إن قدمنا النقل كان ذلك طعنا في أصله الذي هو العقل، فيكون طعنا فيه غير مسلم.
وذلك لأن قوله: «إن العقل أصل للنقل» إما أن يريد به: أنه أصل في ثبوته في نفس الأمر.
أو أصل في علمنا بصحته.
والأول لا يقوله عاقل، فإن ما هو ثابت في نفس الأمر بالسمع أو بغيره هو ثابت، سواء علمنا بالعقل أو بغير العقل ثبوته، أو لم نعلم ثبوته لا بعقل ولا بغيره، إذ عدم العلم ليس علما بالعدم، وعدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها في أنفسها، [ ص: 88 ] فما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم هو ثابت في نفس الأمر، سواء علمنا صدقه أو لم نعلمه.
ومن أرسله الله تعالى إلى الناس فهو رسوله، سواء علم الناس أنه رسول أو لم يعلموا، وما أخبر به فهو حق، وإن لم يصدقه الناس، وما أمر به عن الله فالله أمر به وإن لم يطعه الناس، فثبوت الرسالة في نفسها وثبوت صدق الرسول، وثبوت ما أخبر به في نفس الأمر: ليس موقوفا على وجودنا، فضلا عن أن يكون موقوفا على عقولنا، أو على الأدلة التي نعلمها بعقولنا.
وهذا كما أن وجود الرب تعالى وما يستحقه من الأسماء والصفات ثابت في نفس الأمر، سواء علمناه أو لم نعلمه.
فتبين بذلك أن ولا معطيا له صفة لم تكن له، ولا مفيدا له صفة كمال؛ إذ العلم مطابق للمعلوم المستغني عن العلم، تابع له، ليس مؤثرا فيه. العقل ليس أصلا لثبوت الشرع في نفسه،