أما الجملة، فإنه من آمن بالله ورسوله إيمانا تاما، وعلم مراد الرسول قطعا تيقن ثبوت ما أخبر به، وعلم أن ما عارض ذلك من الحجج فهي حجج داحضة من جنس شبه السوفسطائية، كما قال تعالى: والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد [الشورى: 16].
وأما التفصيل، فبعلم فساد تلك الحجة المعارضة، وهذا الأصل نقيض الأصل الذي ذكره طائفة من الملحدين، كما ذكره الرازي في أول كتابه "نهاية العقول" حيث ذكر أن الاستدلال بالسمعيات في المسائل الأصولية لا يمكن بحال؛ لأن الاستدلال بها موقوف على مقدمات ظنية، وعلى دفع المعارض العقلي، وإن العلم بانتفاء المعارض لا يمكن، إذ يجوز أن يكون في نفس الأمر دليل عقلي يناقض ما دل عليه القرآن، ولم يخطر ببال المستمع. [ ص: 22 ]
وقد بسطنا الكلام على ما زعمه هؤلاء من أن الاستدلال بالأدلة السمعية موقوف على مقدمات ظنية، مثل نقل اللغة والنحو والتصريف ونفي المجاز والإضمار والتخصيص والاشتراك والنقل والمعارض العقلي بالسمعي، وقد كنا صنفنا في فساد هذا الكلام مصنفا قديما من نحو ثلاثين سنة، وذكرنا طرفا من بيان فساده في الكلام على "المحصل" وفي غير ذلك.فذاك كلام في تقرير الأدلة السمعية، وبيان أنها قد تفيد اليقين والقطع، وفي هذا الكتاب كلام في بيان انتفاء المعارض العقلي، وإبطال قول من زعم تقديم الأدلة العقلية مطلقا.