وأيضا فيقال: إنه ما من موجودين إلا بينهما قدر مشترك وقدر مميز، فإنهما لا بد أن يشتركا في أنهما موجودان ثابتان حاصلان، وأن [ ص: 84 ] كلا منهما له حقيقة: هي ذاته ونفسه وماهيته، حتى لو كان الموجودان مختلفين اختلافا ظاهرا كالسواد والبياض، فلا بد أن يشتركا في مسمى الوجود والحقيقة ونحو ذلك، بل وفيما هو أخص من ذلك، مثل كون كل منهما لونا وعرضا وقائما بغيره ونحو ذلك، وهما مع هذا مختلفان.
وإذا كان بين كل موجودين جامع وفارق، فمعلوم أن فلا يجوز أن يثبت له شيء من خصائص المخلوقين ولا يمثل بها، ولا أن يثبت لشيء من الموجودات مثل شيء من صفاته، ولا مشابهة في شيء من خصائصه سبحانه عما يقول الظالمون علوا كبيرا. الله تعالى ليس كمثله شيء: لا في ذاته ولا صفاته، ولا أفعاله،
وإذا كان المثل هو الموافق لغيره فيما يجب ويجوز ويمتنع، فهو سبحانه لا يشاركه شيء فيما يجب له ويمتنع عليه ويجوز له، وإذا أخذ القدر المطلق الذي يتفق فيه الخالق والمخلوق مثل: مسمى الوجود، والحقيقة، والعالم والقادر، ونحو ذلك - فهذا لا يكون إلا في الأذهان لا في الأعيان. والمخلوق لا يشارك مخلوقا في شيء من صفاته، فكيف يكون للخالق شريك في ذلك؟ لكن المخلوق قد يكون له من يماثله في صفاته، والله تعالى لا مثل له أصلا، والقدر المشترك المطلق كالوجود والعلم والحقيقة ونحو ذلك، لا يلزمه شيء من صفات النقص الممتنعة على الله تعالى، فما وجب للقدر المطلق المشترك، لا نقص فيه ولا عيب، وما نفي عنه فلا كمال فيه، وما جاز له فلا محذور في جوازه. [ ص: 85 ]