ثم في تقرير توحيدهم: "واجب الوجود المتعين: إن كان تعينه ذلك لأنه واجب الوجود، فلا واجب وجود غيره، ابن سينا وإن لم يكن تعينه لذلك بل لأمر آخر، فهو معلول لأنه إن كان وجوب الوجود لازما لتعينه، كان الوجوب لازما لماهية غيره، أو صفة، وذلك محال، وإن كان عارضا فهو أولى أن يكون لعلة، وإن كان ما تعين به عارضا لذلك، فهو لعلة. فإن كان ذلك ما [ ص: 105 ] تعين به ماهيته واحدا، فتلك العلة علة لخصوصية ما لذاته يجب وجوده، هذا محال، وإن كان عروضه بعد تعين أول سابق، فكلامنا في ذلك وباقي أقسامه محال". قال
قلت: وإيضاح هذا الكلام أنه إذا قدر واجبان كان قد اشتركا في مسمى الوجوب، وامتاز كل منها عن الآخر بتعينه، فإما أن يكون ما به الاشتراك لازما لما به الامتياز، أو ملزوما أو عارضا، أو معروضا، فإن كان المشترك لازما كلزوم الحيوانية للإنسانية مثلا، فهذا لا يجوز في هذا الموضع كما قال، لأنه إن كان واجب الوجود لازما لتعينه، كان الوجود الواجب لازما لماهية غيره، وصفة، وذلك محال.
وإن كان المشترك، وهو الوجوب، عارضا للمختص، وهو التعين الذي هو الماهية، فهو أولى أن يكون لعلة، والوجود الواجب لا يكون لعلة.
وإن كان التعين عارضا للوجوب المشترك فهو لعلة، كتعين آحاد النوع.
ولهذا قال بعد هذا: "أعلم أن الأشياء التي لها حد نوعي واحد، فإنما تختلف بعلل أخرى، وأنه إذا لم يكن مع الواحد منها القوة [ ص: 106 ] القابلة لتأثير العلل، وهي المادة، لم يتعين إلا أن يكون [في طبيعة] من حق نوعها أن توجد شخصا واحدا. وأما إذا كان يمكن في طبيعة نوعها أن تحمل على كثيرين، فتعين كل واحد بعلة، فلا يكون سوادان ولا بياضان في نفس الأمر، إلا إذا كان الاختلاف بينهما في الموضوع، وما يجري مجراه".
قال: "فإذا كان ما تعين به عارضا للوجوب المشترك بالعروض لعلة، فإن كانت تلك العلة وما به تعين الماهية واحدا، بحيث تكون علة العروض هي علة التعين، كانت تلك العلة علة لخصوص ما لذاته يجب وجوده، فيكون لذات واجب الوجود علة، وهو ممتنع، وإن كان عروضه للوجوب المشترك بعد تعين أول سابق، فالكلام في ذلك التعين السابق.