قد بين فساد هذا في غير موضع من كتبه، مثل كلامه على الفرق بين المطلق والمقيد، والكلي والجزئي، وغير ذلك، وزيف ظن من يظن أن الكلي يكون جزءا من المعين، وبين خطأ من يقول ذلك، والآمدي كالرازي وغيره، فلو رجع إلى أصله الصحيح الذي ذكره في الكلي والجزئي، والمطلق والمعين لعلم فساد هذه الحجة، ولكن لفرط التباس أقوالهم، وما دخلها من الباطل الذي اشتبه عليهم وعلى غيرهم، تزلق أذهان كثير من الأذكياء في حججهم، ويدخلون في ضلالهم من غير تفطن لبيان فسادها كالرازي ونحوهما: تارة يمنعون وجود الصور الذهنية، حتى يمنعوا ثبوت الكلي في الذهن، وتارة يجعلون ذلك ثابتا في الخارج. والآمدي
ففي هذا الموضع أثبت المسمى المشترك الكلي في الخارج، وفي موضع آخر ينفيه مطلقا، كما قال في "إحكامه" لما أراد الرد على الآمدي الرازي في [ ص: 121 ] لا؟ فإن الأمر بالماهية الكلية: هل يكون أمرا بشيء من جزئياتها أم الرازي ذكر أن الأمر بشيء من المعينات أن لا يكون فاعل المعين ممتثلا، بل الأمر بجميع الأفعال: كالأمر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والعتق، وإعطاء الفقراء، فإنه أمر بشيء مطلق، ومع هذا فإذا أعتق رقبة مما أمر به أجزأه، ولو صام شهرين متتابعين في أول العام أو أوسطه أجزأه بخلاف آخره، فإن فيه نزاعا لتخلل الفطر الواجب، ومثل هذا كثير.
وزعم أن الأمر لا يكون بالماهية الكلية، بل لا يكون إلا أمرا بالجزئيات، وهذا صحيح باعتبار دون اعتبار، فإذا أريد به أن لا يمكنه فعل المطلق إلا معينا فيكون مأمورا بأحد الجزئيات لا يعينه بطريق اللزوم، كان صحيحا، وأما إن أريد أنه لم يؤمر إلا بمعين لا بمطلق، فليس بصحيح. الآمدي