كما تقدم. أما الخبر فلا يجوز أن يتناقض، ولكن قد يفسر أحد الخبرين الآخر ويبين معناه. وأما الأمر فيدخله النسخ، ولا ينسخ ما أنزل الله إلا بما أنزل الله، فمن أراد أن ينسخ شرع الله، الذي أنزله، برأيه وهواه كان ملحدا، وكذلك من دفع خبر الله برأيه ونظره كان ملحدا. وكتاب الله نوعان: خبر وأمر،
والقرامطة جمعوا هذا وهذا، وزعموا أن محمد بن إسماعيل هو السابع الذي نسخ دين محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك تعرض لدعوى النبوة غير واحد من الملاحدة.
وآخرون يدعون ما هو عندهم أعلى من النبوة: إما كمذهب صاحب "الفصوص" ختم الولاية عند من يزعم أن الولاية أفضل من النبوة، وأمثاله، وإما ابن عربي دعوى الفلسفة والحكمة التي هي في زعم كثير منهم أعلى من النبوة.
وهؤلاء الملاحدة نوعان: نوع يزعم أنه نزل عليه، كما يدعي ذلك من يدعيه من ملاحدة أهل النسك والتصوف.
ثم من هؤلاء من يقول: إن الله أنزل عليه ذلك. ومنهم من يقول: ألقي إلي، أوحي إلي، ولا يسمي الموحي. [ ص: 209 ]
وقوم يزعمون أنهم يقولون: ذلك بعقلهم ورأيهم.
وقد جمع الله هؤلاء بقوله: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله [سورة الأنعام: 93] . فذكر سبحانه ومن يقول إنه يوحى إليه، ومن زعم أنه يقول كلاما مثل الكلام الذي أنزله الله. من يفتري الكذب على الله،
وهذا الأصل هو مما يعلم بالضرورة من دين الرسل من حيث الجملة: يعلم أن الله إذا أرسل رسولا، فإنما يقول من يناقض كلامه ويعارضه من هو كافر، فكيف بمن يقدم كلامه على كلام الرسول؟!
وأما المؤمنون بما جاء به فلا يتصور أن يقدموا أقوالهم على قوله، بل قد أدبهم الله بقوله: لا تقدموا بين يدي الله ورسوله [سورة الحجرات: 1] .
ولكن البدع مشتقة من الكفر، فلهذا كانت معارضة النصوص الثابتة عن الأنبياء بآراء الرجال هي من شعب الكفر، وإن كان المعارض لهذا بهذا يكون مؤمنا بما جاء به الرسول في غير محل التعارض.
وإذا كان أصل معارضة الكتب الإلهية بقول فلان وفلان من أصول الكفر، علم أن ذلك كله باطل.