أما النصوص التي يزعمون أن ظاهرها كفر، فإذا تدبرت النصوص وجدتها قد بينت المراد، وأزالت الشبهة، فإن الحديث الصحيح لفظه: عبدي، مرضت فلم تعدني. فيقول: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا مرض، فلو عدته لوجدتني عنده.
فنفس ألفاظ الحديث نصوص في أن الله نفسه لا يمرض، وإنما الذي مرض عبده المؤمن. [ ص: 236 ]
ومثل هذا لا يقال: ظاهره أن الله يمرض، فيحتاج إلى تأويل، لأن اللفظ إذا قرن به ما يبين معناه، كان ذلك هو ظاهره كاللفظ العام، إذا قرن به استثناء أو غاية أو صفة، كقوله: فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما [سورة العنكبوت: 14] وقوله: فصيام شهرين متتابعين [سورة النساء: 92]، ونحو ذلك، فإن الناس متفقون على أنه حينئذ ليس ظاهره ألفا كاملة ولا شهرين، سواء كانا متفرقين أو متتابعين.
وأما قوله: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فهو أولا: ليس من الحديث الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نحتاج أن ندخل في هذا الباب. ولكن هؤلاء يقرنون بالأحاديث الصحيحة أحاديث كثيرة موضوعة، ويقولون بتأول الجميع، كما فعل بشر المريسي ومحمد بن شجاع الثلجي في كتاب "مشكل الحديث" حتى أنهم يتأولون حديث عرق الخيل وأمثاله من الموضوعات. [ ص: 237 ] وأبو بكر بن فورك
هذا مع أن عامة ما فيه من تأويل الأحاديث الصحيحة هي تأويلات وأمثاله من المريسي الجهمية.
وقد يكون الحديث مناما كحديث رؤية ربه في أحسن صورة، فيجعلونه يقظة، ويجعلونه ليلة المعراج، ثم يتأولونه.
وقد صنف كتابه في "إبطال التأويل" ردا لكتاب القاضي أبو يعلى وهو وإن كان أسند الأحاديث التي ذكرها وذكر من رواها، ففيها عدة أحاديث موضوعة كحديث الرؤية عيانا ليلة المعراج ونحوه. ابن فورك،
وفيها أشياء عن بعض السلف رواها بعض الناس مرفوعة، كحديث قعود الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش، رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة، وهي كلها موضوعة، وإنما الثابت أنه عن وغيره من السلف، وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه، ويتلقونه بالقبول. [ ص: 238 ] مجاهد
وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال إلا توفيقا، لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول، وما ثبت من كلام غيره، سواء كان من المقبول أو المردود.
ولهذا وغيره تكلم رزق الله التميمي وغيره من أصحاب في تصنيف أحمد لهذا الكتاب بكلام غليظ، وشنع عليه أعداؤه بأشياء هو منها بريء،، كما ذكر هو ذلك في آخر الكتاب. القاضي أبي يعلى
وما نقله عنه في "العواصم" كذب عليه عن مجهول لم يذكره أبو بكر بن العربي أبو بكر، وهو من الكذب عليه، مع أن هؤلاء - وإن كانوا نقلوا عنه ما هو كذب عليه، ففي كلامه ما هو مردود نقلا وتوجيها، وفي كلامه من التناقض من جنس ما يوجد في كلام الأشعري، والقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي المعالي، وأمثالهم ممن يوافق النفاة على نفيهم، ويشارك أهل الإثبات على وجه، يقول الجمهور: إنه جمع بين النقيضين.
ويقال: إن شيخ أبا جعفر السمناني، قاضي [ ص: 239 ] أبي الوليد الباجي الموصل، كان يقول عليه ما لم يقله: ويقال عن السمناني إنه كان مسمحا في حكمه وقوله.
والمقصود هنا أن ما لم يكن ثابتا عن الرسول، لا نحتاج أن ندخله في هذا الباب، سواء احتيج إلى تأويل أو لم يحتج.
وحديث: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، هو معروف من كلام وروي مرفوعا، وفي رفعه نظر. ولفظ الحديث: ابن عباس، الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه أو قبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه.
ففي لفظ هذا الحديث أنه يمين الله في الأرض، وأن المصافح له كأنما صافح الله وقبل يمينه.
ومعلوم أن المشبه ليس هو المشبه به، فهذا صريح في أنه ليس هو نفس صفة الله، فلا يمكن أحد أن يأتي بنص صحيح صريح يدل على معنى فاسد، من غير بيان للنص أصلا، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، والحمد لله رب العالمين. فالحمد لله الذي سلم كلامه وكلام رسوله من كل نقص وعيب،