وجماهير العقلاء من المسلمين واليهود والنصارى، والفلاسفة القدماء والمتأخرين، يقدحون في موجب هذا الدليل. وليس هو طريقة أرسطو وقدماء الفلاسفة، ولا طريقة وأمثاله من المتأخرين. بل هذا المسلك عند جمهور العالم من أعظم الأقوال فسادا في الشرع والعقل. وأما المسلك الأول فهو أيضا عند جمهور أهل الملل وجمهور ابن رشد الفلاسفة باطل مخالف للشرع والعقل.
والمسلك الثالث: سواء كانت الأجسام واجبة أو قديمة أو ممكنة وحادثة، وهو مبني على تماثل الأجسام، وهو باطل عند أكثر العقلاء، وهو مبني على مقدمتين: إحداهما: أن اختصاص كل جسم بما له من الصفات لا يكون إلا لسبب منفصل. الاستدلال بإمكان الصفات على وجود الصانع
والثانية: أن ذلك السبب لا يكون إلا مخصصا ليس بجسم.
قلت: وهاتان المقدمتان قد عرف نزاع العقلاء فيهما، وما يرد عليهما من النقض والفساد، ومخالفة أكثر الناس لموجبهما. [ ص: 294 ]
قال: "المسلك الرابع: الاستدلال بحدوث الصفات والأعراض عن وجود الصانع، كصيرورة النطفة إنسانا، فهذا حادث، والعبد غير قادر عليه، فلا بد له من فاعل آخر لافتقار المحدث إلى المحدث: إما لأن ذلك معلوم بالضرورة،، كما يقول جمهور العقلاء، وإما لإثبات ذلك بالإمكان، وما لإثباته بالقياس على ما يحدثه العباد.
قال: "والفرق بين الاستدلال بإمكان الصفات وبين الاستدلال بحدوثها أن الأول يقتضي أن لا يكون الفاعل جسما، والثاني لا يقتضي ذلك".