[ ص: 316 ] وكذلك النصارى تعظم ما هو من هذا الباب وهكذا الفلاسفة تجد أحدهم إذا سمع أئمته يقولون: الصفات الذاتية والعرضية، والمقوم والمقسم، والمادة والهيولى، والتركيب من الكم والكيف، وأنواع ذلك من العبارات، عظمها قبل أن يتصور معانيها، ثم إذا طلب معرفتها لم يكن عنه في كثير منها إلا التقليد لهم.
ولهذا كان فيها من الكلام الباطل المقرون بالحق ما شاء الله، ويسمونها عقليات، وإنما هي عندهم تقليديات، قلدوا فيها ناسا يعلمون أنهم ليسوا معصومين، وإذا بين لأحدهم فسادها لم يكن عنده ما يدفع ذلك، بل ينفي تعظيمه المطلق لرؤوس تلك المقالة، [ثم] يعارض ما تبين لعقله فيقول: كيف يظن بأرسطو وابن سينا وأبي الهذيل، أو ونحو هؤلاء أن يخفى عليه مثل هذا؟ أو أن يقول مثل هذا؟ أبي علي الجبائي
وهو مع هذا يرى أن الذين قلدوا المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى: إن هو إلا وحي يوحى [سورة النجم: 4] ، قد بخسوا أنفسهم حظها من العقل والمعرفة والتمييز، ورضوا بقبول قول لا يعلمون [ ص: 317 ] حقيقته، وهو مع هذا يقبل أقوالا لا يعلم حقيقتها، وقائلين يعلم أنهم يخطئون ويصيبون.
وهذا القدر قد تبينته من الطوائف المخالفين للكتاب والسنة - ولو في أدنى شيء ممن رأيت كتبهم، وممن خاطبتهم، وممن بلغني أخبارهم - إذا أقيمت على أحدهم الحجة العقلية التي يجب على طريقته قبولها، ولم يجد له ما يدفعها به، فر إلى التقليد، ولجأ إلى قول شيوخه، وقد كان في أول الأمر يدعو إلى النظر والمناظرة والاعتصام بالعقليات، والإعراض عن الشرعيات.