فاحتجاجه بهذه الآيات على أن صريح في أن الله نفسه هو الذي ردوا إليه، وهو الذي جاءوا إليه فرادى، ووقفوا عليه، ونكسوا رءوسهم عنده، كما دل القرآن على ذلك. الله -عز وجل- فوق العرش
فلو كان الله بنفسه لا يجوز أن يلقى، ولا يؤتى، ولا يوقف عليه، لم تصح هذه الدلالة بالنصوص المشتملة على ذكر إتيان الله عز وجل ومجيئه ونزوله.
وكذلك استدلال على أنه على العرش قال: ومما يذكر لكم أن الله عز وجل مستو على عرشه دون [ ص: 22 ] الأشياء كلها، ما نقله أهل الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: [ ص: 23 ] الأشعري، رواه «ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر». نافع عن عن أبيه. [ ص: 24 ] جبير بن مطعم
وروى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو هريرة [ ص: 25 ] «إذا بقي ثلث الليل نزل الله إلى السماء الدنيا فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستكشف الضر فأكشفه عنه؟ من ذا الذي يسترزقني أرزقه؟ حتى ينفجر الصبح».
قال: وروى رفاعة الجهني قال: [ ص: 27 ] قفلنا مع رسول الله [ ص: 26 ] صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بالكديد أو قال بقديد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إذا مضى ثلث الليل أو ثلثا الليل نزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا، فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ حتى ينفجر الفجر».
قال: وقد قال عز وجل: يخافون ربهم من فوقهم [النحل: 50]. وقال سبحانه: تعرج الملائكة والروح إليه [المعارج: 4]. وقال: ثم استوى إلى السماء [البقرة: 29]. وقال: ثم استوى على العرش الرحمن [الفرقان: 59]. وقال: ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع [السجدة: 4]. وكل هذا يدل على أنه في السماء مستو على عرشه، والسماء بإجماع الناس ليست في الأرض، فدل على أنه منفرد بوحدانيته، مستو على عرشه (كما وصف نفسه) وهذا [ ص: 28 ] الاستدلال قال قال الله سبحانه تعالى: الأشعري: وجاء ربك والملك صفا صفا [الفجر: 22]. وقال عز وجل: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام [البقرة: 210]. وقال سبحانه وتعالى: ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى [النجم: 8-10]. واستدلاله بهذه الآيات على أن الله فوق العرش يقتضي أن الله -عنده- هو الذي يأتي ويجيء، إذ لولا ذلك لم يصح الدليل كما تقدم، قال: وقال سبحانه: يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي [آل عمران: 55]. وقال سبحانه وتعالى: وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه [النساء: 157-158].
قال: وأجمعت الأمة على أن الله تعالى رفع عيسى إلى السماء.
فهذه وهو من أكبر أئمة المتكلمين الصفاتية، تصرح بأنه كان يثبت أن الله نفسه تأتيه عباده ويأتي عباده، مع قوله بأنه ليس بجسم، الأشعري، وكذلك دلالة أبو محمد عبد الله [ ص: 29 ] ابن سعيد بن كلاب قبله، وغيرهما.
فإذا كان هؤلاء يقررون هذا التقرير، فكيف بمن لا ينفي الجسم ولا يثبته، أو بمن يثبته.
وهذا الاستدلال منه ومن غيره من علماء الأمة وسلفها بهذه الأحاديث على أن الله فوق، يبين أن نزول الرب عندهم ليس مجرد نزول شيء من مخلوقاته، مثل ملائكته، أو نعمته، أو رحمته، ونحو ذلك، إذ لو كان المراد بهذا الحديث عندهم هو نزول بعض المخلوقات، لم يصح الاحتجاج به، على أنه فوق العرش، فإن ذلك يكون كإنزال المطر، وخلق الحيوان، وذلك منا لا يستدل به على مسألة العرش، كما يستدل بقوله: (ينزل ربنا)، فلما استدلوا بقوله: (ينزل ربنا) علم أنهم كانوا [ ص: 30 ] يقولون: إن الله هو الذي ينزل؛ لتستقيم الدلالة.
ولهذا كل من أنكر أن الله فوق العرش لا يمنع أن الله ينزل -ذلك الوقت- بعض المخلوقات.