الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الثالث عشر: أنا إذا عرضنا على العقل أن الإنسان يرى شيئا لا يقابله بوجه من الوجوه، وأنه لا مانع من رؤيته قط إلا مجرد عدم القوة في العين، وعرضنا على العقل أن ذلك لا يبعد أن يكون محجوبا، لم يحكم العقل بذلك، لأن ما أثبت رؤيته أبعد من المعقول من نفي الحجاب عنه، والعقل لا يثبت الأخفى [ ص: 126 ] البعيد دون القريب.

من ذلك أن الناس تنازعوا في عدم الإدراك الذي هو الرؤية والسمع، هل هو مستلزم لوجود ضد له؟ أم يكفي عدم وجوده؟ فهل يجب أن يقال: إن الأعمى والأصم قام بهما ضد وجود السمع والبصر؟ أو لم يقم بهما السمع والبصر؟ أم معناهما عدم السمع والبصر؟ فإن لم يكن الواجب إلا مجرد عدم الإدراك، فالعدم لا يكون حجابا.

وإن قيل: بل هما أمران وجوديان معتادان للإدراك كما يقوله من أهل الإثبات، فمعلوم أن الضدين لا يجتمعان، لكن ليس تسمية البصر والرؤية حجابا لامتناع مجامعته الصمم والعمى بأولى من تسمية الصمم والعمى حجابا لامتناع مجامعته للرؤية والسمع، وكذلك لا يقال: إن أحدهما هو المانع من الآخر، بل يمتنع اجتماعهما، نعم إذا كان أحدهما قائما بالمحل فهل يقال: إنه يمتنع الضد الطارئ أن يزيله، أو يزول بنفسه حتى يحدث الطارئ؟ هذا فيه نزاع أيضا من القائلين ببقاء الأعراض ونفاة ذلك.

والمقصود: أنه مع التقدير لا يسمى ذلك حجابا. [ ص: 127 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية