الوجه السادس عشر: وأن أحوال العباد مع الله عز وجل يوم القيامة بخلاف أحوالهم في الدنيا. [ ص: 204 ] أنه من المعلوم أن هذا الحديث هو من جنس ما دل عليه القرآن من وقوف العباد على ربهم وخطابه لهم، ومن المعلوم بالاضطرار من رسالات الرسل ودين الإسلام أن هذا إنما يكون يوم القيامة،
وعلى رأي المنازعين الجهمية وفروعهم لا فرق بين الدنيا والآخرة، فإن الله نفسه لا يقربون إليه، لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يقفون عليه، ولا يرجعون إليه، وإنما ذلك كله مصيرهم إلى بعض مخلوقاته ومقدوراته، وهذا ثابت في الدنيا والآخرة.
وكذلك خطابه لهم معناه عند الجهمية المحضة: أنه يخلق كلاما في بعض مخلوقاته يكلمهم، وعند فروعهم: يخلق في العباد إدراكا يفهمون به المعنى القائم بالذات، لا أنه يخاطبهم بكلام يسمعونه إذ ذاك، ومعلوم أن خلق الفهم والإدراك لا فرق فيه بين الدنيا والآخرة، وحينئذ فهذا الذي أخبر به في هذا الحديث وغيره يكون عندهم في الدنيا كما يكون في الآخرة، فيدنو العبد المؤمن من الله تعالى في الدنيا، ويضع عليه كنفه، ويقرره بذنوبه، ويقول: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، وذاك عندهم إما سماع صوت في بعض المخلوقات، أو إلهام يقع في النفس، وكل من تدبر القرآن والحديث علم بالاضطرار أن هذا الذي يقولونه ليس هو الذي [ ص: 205 ] أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن قولهم فيه هو من التكذيب ببعض الإيمان بالله واليوم الآخر، وهذا أمر عظيم ضاهوا به ما يقولونه الصابئة الفلاسفة والقرامطة الباطنية ونحوهم من لا يشك مؤمن في أنهم يكذبون بآيات الله ولقائه، وأنهم ممن قيل فيه: فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون [الأنعام: 150]. وهذا قد صرح به من أئمة الجهمية طوائف، كالاتحادية وغيرهم، ولهذا ينكرون المسير إلى الله عز وجل [ ص: 206 ] والدعوة إليه، أو يتأولونه بالطريق المستقيم إليه، وذلك يظهر: