وأما فهو فعل لها في وقتهما، إذ الوقت ينقسم إلى وقت اختيار ووقت اضطرار، ولهذا قلنا في المحرم إذا خاف إن صلى العشاء أن يفوته الوقوف الجمع بين الصلاتين بعرفة، وإن بادر إلى إدراك الوقوف قبل صلاة الفجر فاتته العشاء إنه يجمع بين الواجبين الصلاة والحج، فيصلي بحسب حاله ويدرك الوقوف. وهذا القول خير من قول من قدم الصلاة وفوت الحج، أو قدم الحج وفوت الصلاة، إذ كل من الوقوف والصلاة له وقت لا يجوز تأخيره عنه. وبعد هذا القول قول من سوغ تأخير الصلاة لإدراك الحج، فهو شبيه بقول من سوغ تأخير [ ص: 305 ] الصلاة لأجل الجهاد. وأما من أمر بفعل الصلاة وتفويت الحج فهو يقول: لا يخرج عن الإحرام بذلك، بل ينتقل عن الحج إلى العمرة.
وهذا ضعيف، فإن ذلك لا يجوز مع القدرة بحال.
ومن العلماء من جعل فعل الصلاة يوم بني قريظة من الصحابة فعل اجتهاد، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسوغ الفعلين جميعا حتى جعلهم مخيرين، ولكن لما اجتهدوا أقر كلا منهما على اجتهاده. وجعلوا هذا الحديث أصلا في وهذا وإن كنت قد ذكرته في بعض كلامي قبل هذا ففيه نظر، لأن المجتهدين إنما يقرون إذا عدمت النصوص، فلو كان هذا من باب الاجتهاد لكان أحدهما هو المصيب دون الآخر، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوب فعل إحدى الطائفتين ويعذر الأخرى، لا يسوي بين الطائفتين التي اختصت إحداهما بالإصابة في موارد الاجتهاد. تقرير المجتهدين على اجتهادهم.