وأما أوقات الحاجة والعذر فهي ثلاثة: من الزوال إلى الغروب، ومن المغرب إلى الفجر، ومن الفجر إلى طلوع الشمس. فالأول وقت الظهر والعصر -عند العذر- واسع فيهما من وجهين:
أحدهما: كما قدمها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم تقديم العصر إلى وقت الظهر، عرفة، وكما كان يقدمها في سفرة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس، أو فهذا جمع تقديم. تقديم العشاء إلى المغرب في المطر.
والثاني: جمع تأخير العصر فيها إلى المغرب، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في [ ص: 341 ] الحديث الصحيح : هذا مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : "من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر". وأنه لم يؤخر الصلاة قط إلى الاصفرار، ويوم الخندق كان التأخير إلى بعد الغروب، وهو منسوخ في أشهر قولي العلماء بقوله تعالى: "وقت العصر ما لم تصفر الشمس". حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى .
وهذا مذهب مالك والشافعي في أشهر الروايتين عنه. وقيل: يخير حال القتال في التأخير والصلاة في الوقت بحسب الإمكان، وهو الرواية الأخرى عنه. وقيل: بل يؤخرها، وهو قول وأحمد أيضا، ففي الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: أبي حنيفة فوصف صلاة المنافق بالتأخير إلى حين الغروب والنقر، فدل على المنع من هذا وهذا، فلما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا وهذا علم أن الوقت وقتان، فمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك مطلقا، وليس له أن يؤخر إلى ذلك الوقت مع إمكان الصلاة قبله، بخلاف من لا يمكنه الصلاة قبل ذلك، كالحائض إذا طهرت، والمجنون يفيق، والنائم يستيقظ، والناسي يذكر. فدل تقديمه للعصر يوم "تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام، فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا". عرفة على أنها تفعل في موضع مع الظهر عقيب [ ص: 342 ] الزوال، ودل هذا الحديث على أنها مع أنه جائز بقوله وفعله أن وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله ما لم تصفر الشمس، فدل على أن هذا الوقت المختص بها وقت مع التمكن والرفاهية، ليس لأحد أن يؤخرها عنه ولا يقدمها عليه. يدرك وقتها بإدراك ركعة منها قبل الغروب،
وقد عرف عن الصحابة كعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهم قالوا في الحائض: إذا طهرت قبل غروب الشمس تصلي الظهر والعصر، وإذا طهرت قبل طلوع الشمس صلت المغرب والعشاء. ولم يعرف عن صحابي خلاف ذلك، وبذلك أخذ الجمهور كمالك والشافعي وأحمد. وهذا مما يدل على أنه كان الصحابة [يرون] أن الليل عند العذر مشترك بين المغرب والعشاء وإلى الفجر، والنصف الثاني من النهار مشترك عند العذر بين الظهر والعصر من الزوال إلى الغروب، كما دل على ذلك السنة، والقرآن يدل على ذلك، قال الله تعالى: وابن عباس وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ، فالطرف الأول صلاة الفجر، فإن صلاة الفجر من النهار، كما قد نص على ذلك فإن الصائم يصوم النهار، وهو يصوم من طلوع الفجر، والوتر يصلى بالليل. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أحمد، . "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة" عند جماهير العلماء، فليس لأحد أن يتعمد تأخير [ ص: 343 ] الوقت إلى ما بعد طلوع الفجر كأبي حنيفة والشافعي في ظاهر مذهبه. وأحمد
وإذا قيل: "نصف النهار" فالمراد به النهار المبتدئ من طلوع الشمس، فهذا في هذا الموضع، ولفظ "النهار" يراد به من طلوع الفجر، ويراد به من طلوع الشمس، لكن قوله وأقم الصلاة طرفي النهار أريد به من طلوع الفجر بلا ريب، لأن ما بعد طلوع [الشمس] ليس على المسلمين فيه صلاة واجبة بل ولا مستحبة، بل الصلاة في أول الطلوع منهي عنها حتى ترتفع الشمس. وهل تستحب الصلاة لوقت الضحى أو لا تستحب إلا لأمر عارض؟ فيه نزاع ليس هذا موضعه.
فعلم أنه أراد بالطرف الأول من طلوع الفجر، وأما الطرف الثاني فمن الزوال إلى الغروب، فجعل الصلاة وأشرك بينهما فيه، ثم قال: وزلفا من الليل وهي ساعات من الليل. فالوقت هنا ثلاثة، وكذلك في قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا . فالدلوك: الزوال عند أكثر السلف، وهو الصواب، يقال: دلكت وهي الشمس إذا زالت. وغسق الليل: اجتماع الليل وظلمته. فالأول يتناول الظهر والعصر تناولا واحدا، والثاني [يتناول المغرب والعشاء] تناولا واحدا، ثم قال: وقرآن الفجر وهي صلاة مفردة لا تجمع ولا تقصر. [ ص: 344 ]
وقال تعالى: ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح . فذكر الفجر وذكر الظهر وذكر صلاة العشاء، فمن الظهيرة إلى ما بعد صلاة العشاء وقتان للصلاة. وقد ذكر الأول من هذا الوقت والآخر من هذا الوقت.