[ومن الأحداث] موسى عليه السلام وفاة
قال عن أشياخه: بينما السدي موسى يمشي ويوشع فتاه إذ أقبلت ريح سوداء ، فلما نظر [إليها] يوشع ظن أنها الساعة فالتزم موسى وقال: يا قوم الساعة ، وأنا ملتزم موسى نبي الله ، فاستل موسى من تحت القميص وترك القميص في يدي يوشع ، فلما جاء يوشع بالقميص أخذته بنو إسرائيل ، وقالوا: قتلت نبي الله ، قال: لا والله ما قتلته ولكنه استل مني ، فلم يصدقوه وأرادوا قتله .
[ ص: 374 ]
قال: فإذا لم تصدقوني فأخروني ثلاثة أيام ، فدعا الله فأتي كل رجل ممن كان يحرسه في المنام ، فأخبر أن يوشع لم يقتل موسى ، وأنا قد رفعناه إلينا ، فتركوه ولم يبق ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع موسى أحد إلا مات ولم يشهد الفتح .
وزعم أن ابن إسحاق: موسى كان قد كره الموت وأعظمه ، فأراد الله أن يحبب إليه الموت ويكره إليه الحياة ، فنبي يوشع وكان يغدو عليه ويروح فيقول له موسى: يا نبي الله ما أحدث الله إليك؟ فيقول له يوشع: يا نبي الله ألم أصحبك كذا وكذا سنة ، فهل كنت أسألك عن شيء مما أحدث الله إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئ به وتذكره؟ فلا يذكر له شيئا .
فلما رأى ذلك موسى كره الحياة وأحب الموت .
وكذلك قال كان تحويل النبوة إلى محمد بن كعب القرظي: يوشع بن نون قبل موت موسى ، وكان يختلف يوشع إلى موسى غدوة وعشية ، فيقول له موسى: يا نبي الله هل أحدث الله إليك اليوم شيئا؟ فيقول له يوشع: يا صفي الله صحبتك من كذا وكذا سنة ، فهل سألتك عن شيء يحدثه الله إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئه لي؟ فلما رأى موسى الجماعة عند يوشع أحب الموت .
قال هذه العبارة توهم بعض الأغبياء أن أبو الحسين بن المنادي: موسى غاظه ما رأى ، فأحب الموت؛ إذ ضاق ذرعا بالذي أبصر من منزلة يوشع حين علت . وليس كذلك ، إنما أحب موسى الموت لما رأى له خلفا في أمته كافيا يقوم مقامه فيهم ، فاستطاب حينئذ الموت لما وصفنا لا غير .
وأما استجابة يوشع وامتناع يوشع من إفشائه ما يكون من الله إليه فلم يك من باب التعزز من يوشع ولا من حبه الاقتصار من موسى إليه ، بل هو من استخبار موسى يوشع هل بلغ حد الأمناء الذين يكتمون ما يجب كتمه عن أقرب الناس إليهم وأعزهم عليهم ، فلما ألفى يوشع بالغا هذه المرتبة لم يشك في نهوضه بالوحي واستمكانه من الحال التي أهل لها فهذا الذي أصار موسى إلى السؤال .
ويدل على هذا ما روي عن الحسن أنه ، قال: لما ودع موسى أهله وولده أرسل [ ص: 375 ] إلى يوشع فاستخلفه على الناس ، قال: وكان موسى إنما يستظل في عريش ويأكل ويشرب في نقير من حجر؛ تواضعا لله عز وجل حين أكرمه بكلامه .
قال وهب: ذكر لي أنه كان من أمر وفاته أنه أخرج يوما من عريشه ذلك لبعض حاجته ، فمر برهط من الملائكة يحفرون قبرا ، فعرفهم فأقبل إليهم حتى وقف عليهم فإذا هم يحفرون قبرا لم ير شيئا أحسن منه ولم ير مثل ما فيه من الخضرة والنضرة والبهجة ، فقال لهم: يا ملائكة الله لم تحفرون هذا القبر؟ قالوا: نحفره والله لعبد كريم على الله ، قال: إن هذا العبد من الله لبمنزلة ، ما رأيت كاليوم مضجعا ، قالت الملائكة: يا صفي الله أتحب أن يكون لك؟ قال: وددت ، قالوا: فانزل فاضطجع فيه وتوجه إلى ربك ، ثم تنفس ، فنزل فاضطجع فيه وتوجه إلى ربه ثم تنفس فقبض الله روحه ، ثم سوت عليه الملائكة .
قال مؤلف الكتاب: وفي هذا بعد ، فإن الحديث الصحيح يدل على غير هذا .
أخبرنا قال: أخبرنا ابن الحصين ، قال: أخبرنا ابن المذهب ، أحمد بن جعفر ، قال: حدثنا قال: حدثني أبي ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، قال: حدثنا همام بن منبه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو هريرة موسى ، فقال له: أجب ربك ، قال: فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها ، فرجع الملك إلى الله عز وجل وقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت وقد فقأ عيني ، قال: فرد الله إليه عينه ، وقال: ارجع إلى عبدي فقل له: إن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما تواريت بيدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة . "جاء ملك الموت إلى
[فعاد إليه فأخبره] فقال: ثم مه ، قال: ثم تموت ، قال: فالآن من قريب . قال: يا رب أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر" . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لو أني عنده لأريتكم [قبره] إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر" .
[ ص: 376 ] قال لما مثل أبو عمران الجوني: موسى عليه السلام جعل يبكي ويقول: لست أجزع للموت ، ولكني أجزع أن ييبس لساني عن ذكر الله عند الموت .
قال: وكان لموسى ثلاث بنات فدعاهن فقال: يا بناتي ، إن بني إسرائيل سيعرضون عليكن الدنيا بعدي فلا تقبلن منها شيئا ، تلقطن هذا السنبل فافركنه ثم كلنه ، وستبلغن به إلى الجنة .
قال علماء السير: توفي موسى بعد هارون بثلاث سنين ، وأوصى إلى يوشع ، وتوفي بباب لد .
قال كان جميع مدة عمر أبو جعفر الطبري: موسى عليه السلام مائة وعشرين سنة ، عشرون منها في ملك أفريدون ، ومائة منها في ملك منوشهر ، وكان ابتداء أمره منذ بعثه الله نبيا إلى أن قبضه الله في ملك منوشهر .
واختلفوا: هل مات بأرض الشام أم لا على قولين:
أحدهما: أنه توفي بأرض التيه ، وقد روينا عن أنه قال: ماتوا كلهم في التيه ابن عباس وموسى وهارون ، ولم يدخل بيت المقدس إلا يوشع ، وكالب بن يوفنا ، والحديث الذي قدمناه يدل على هذا .
والقول الآخر: لما مضت الأربعون خرج موسى ببني إسرائيل من التيه ، وقال لهم: ادخلوا القرية فكلوا منها حيث شئتم . قاله الربيع بن أنس ، وعبد الرحمن بن زيد .
وقال وهذا هو الصحيح ، وإن ابن جرير: موسى هو الذي فتح قرية الجبارين مع الصالحين من بني إسرائيل؛ لأن أهل السير أجمعوا أن موسى هو قاتل عوج ، وكان عوج ملكهم ، وكان بلعام فيمن سباه ، سباه موسى وقتله .
قال وقد قيل: إن اليهود لا تدري أين قبر أبو الحسين بن المنادي: موسى وهارون ، ولو علموا لاتخذوهما إلهين من دون الله .
[ ص: 377 ]