الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ذكر طرف من عجائب ما في الأرض

أنبأنا محمد بن ناصر ، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد الكسائي ، قال: أخبرنا أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله المري ، قال: حدثنا عبد الوهاب بن الحسن الكلابي ، قال: أخبرنا علي بن محمد بن كاس النخعي ، قال: حدثنا خضر بن أبان ، قال: حدثنا منصور بن عمار ، قال: حدثنا ليث بن سعد ، عن عقيل بن خالد ، عن شفي بن ماتع ، عن عبد الله بن عمرو ، قال: من العجائب التي وصفت في الدنيا أربع: منارة الإسكندرية ، عليها مرآة من حديد يقعد القاعد تحتها قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فيرى من بالقسطنطينية وبينها عرض البحر ، وسوداني من نحاس على قضيب من نحاس على الباب الشرقي برومية ، فإذا كان أوان الزيتون صفر ذلك السوداني صفرة فلا تبقى سودانية تطير إلا جاءت معها بثلاث زيتونات في رجليها ، وزيتونة في منقارها فألقته على ذلك السوداني فيحمله أهل رومية فيعصرون ما يكفيهم لسرجهم وإدامهم إلى العام المقبل .

ورجل من نحاس بأرض اليمن ما بين الشجر مادا يده إلى وراء كأنه يقول: ليس ورائي مذهب ولا مسلك ، وهو أرض رجراجة لا تستقر عليها الأقدام ، غزاها ذو القرنين في سبعين ألفا ، فخرج عليهم نمل كنجاتي ، وكانت النملة تخطف الفارس عن سرجه .

وبطة من نحاس بين عمود من نحاس فيما بين الهند والصين بأرض يقال لها كثار ، فإذا كان يوم عاشوراء ، شربت البطة من الماء حاجتها ، ومدت منقارها فيفيض من فيها [ ص: 165 ] الماء ما يكفيهم لزروعهم ومواشيهم إلى العام المقبل .

وقد روي لنا هذا الخبر على وجه آخر ، فأنبأنا محمد بن ناصر ، قال: أنبأنا عبد المحسن بن محمد ، قال: أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمد الدهان ، قال: حدثنا أبو جعفر أحمد بن الحسين البردعي ، قال: حدثنا أبو هريرة أحمد بن عبد الله بن أبي العصام ، قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم الأزرق ، قال: حدثنا محمد بن أبي موسى ، قال: حدثنا حجاج بن أبي لهيعة ، عن أبي قسيل ، عن عبد الله بن عمرو عن العجائب التي وضعت في الدنيا أربع: مرآة كانت معلقة بمنارة الإسكندرية فكان الجالس يجلس تحتها فيرى [من] بالقسطنطينية وبينها عرض البحر ، وعمود من نحاس بأرض رومية فإذا كان لقاط الزيتون لم يبق سودانية إلا جاءت إليه بثلاث زيتونات فيعصرها أهل رومية لإدامهم ومصابيحهم ، وفرس من نحاس عليه راكب من نحاس بأرض طليلة قريبة من قرى الأندلس من خلفها بأرض رجراجة لا يطأ عليها أحد إلا ابتلعه ، والفرس قافل بيده هكذا مكتوب في جبهته ليس ورائي مسلك ، وعمود من نحاس عليه شجرة من نحاس تمثال عاد ، فإذا كان أشهر الحرم هطل منها الماء فملئ منه الحياض ويشرب الناس منه وسقطوا ظهورهم فإذا تصرمت أشهر الحرم انقطع ذلك عنهم .

أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الله بن خلف ، قال: حدثنا جدي محمد بن عبد الله ، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حاتم ، قال: حدثنا عمرو بن شبة ، قال: حدثنا سليم بن منصور بن عمار ، عن أبيه ، قال: حدثني عبد ربه ، عن نافع ، عن أبي مدرك السعدي ، قال: أتيت طليلة من وراء الأندلس فرأيت صنمين من نحاس رءوسهما في الهواء قائمين على رجل واحدة كل واحد منها واضع كفه اليسرى بين عينيه مكتوب: ليس خلفي مسلك .

قال: وقد أخبرني أناس من أهل تلك الناحية أن ذا سرح الملك سار في الجموع حتى وصل إلى تلك الناحية ، فخرج عليه خلق يشبه النمل ، وإن كانت الدابة من تلك الدواب لتخطف برجليها رجلين وتأخذ الرجل مع بقرة معه فتحمله فما يقدر [ ص: 166 ] على نفسه ، فلما رأى ذلك ذو سرح الملك انصرف بالجمع .

وقد ذكر بعض العلماء في العجائب: أنه بأرض مصر أسطوانتان من بقايا أساطين كانت هناك في رأس كل أسطوانة طوق من نحاس يقطر من إحداهما ماء من تحت الطوق إلى نصف الأسطوانة لا يجاوزه ولا ينقطع قطره ليلا ونهارا وموضعه من الأسطوانة أخضر رطب .

والهرمتان بمصر سمك كل واحد منهما أربعمائة ذراع طولا في أربعمائة ذراع عرضا كلما ارتفع البناء دق ، وهما من رخام ومرمر مكتوب عليها طب وسحر وتحت ذلك مكتوب: "إني بنيتها بملكي فمن يدعي قوة في ملكه فليهدمها فإن الهدم أيسر من البناء" .

قال أبو الحسين أحمد بن جعفر : وبلغنا أنهم قدروا فإذا خراج الدنيا مرارا كثيرة لا يقوم بهدمها .

ويقال إنه ما من بناء بالحجارة أبهى من كنيسة حمص ، ولا بناء بالآجر والجص أبهى من إيوان كسرى بالمدائن ، ولا منارة أعجب من منارة الإسكندرية ، ولا بناء بالحجارة أحكم ولا أبهى من شاذروان تستر لأنها بالصخر وأعمدة الحديد وطاط الرصاص . وأعجب من هذا كله سد ذي القرنين الذي أمده الله لبنائه ، وسيأتي ذكره في أخبار ذي القرنين إن شاء الله .

ومن العجائب: نار بصقلية تجيء بالهند وبالأندلس تشعل في حجارة ولا يمكن أن يوقد منها . وأهل اليمن يمطرون في الصيف ، وليس بصقلية نمل .

ومن العجائب: بيتان وجدا بالأندلس عند فتحها في مدينة الملوك ، ففتح أحد [ ص: 167 ] البيتين وهو بيت المال ، فوجد فيه أربعة وعشرون تاجا عدة ملوكهم ، لا يدرى ما قيمة التاج منها ، وعلى كل تاج اسم صاحبه ومبلغ سنه وكم ملك من السنين ووجد فيه مائدة سليمان بن داود . ووجد على البيت الآخر أربعة وعشرون قفلا ، كان كلما ملك ملك منهم زاد قفلا ، ولا يدرون ما في البيت ، فلما ملك آخر ملوكهم قال: لا بد لي من أن أعرف ما في هذا البيت ، وتوهم أن فيه مالا ، فاجتمعت إليه الأساقفة والشمامسة وأعظموا ذلك وسألوه أن يأخذ بما فعله الملوك قبله فأبى ، وقال: انظر ما تحطب على مالك من مال يظن أنه فيه فنحن ندفعه إليك من أموالنا فلا تفتحه . فعصاهم وفتح الباب ، فإذا فيه تصاوير العرب على خيولهم بعمائمهم ونعالهم وقسيهم ونبلهم ، فدخلت العرب جزيرة الأندلس في السنة التي فتح فيها الباب .

ووجد قتيبة بن مسلم بمدينة تدعى بيكند قدورا عظاما يصعد إليها بسلاليم .

أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ ، قال: أنبأنا جعفر بن أحمد السراج ، قال: أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن شاهين ، قال: حدثنا أبي ، قال: حدثنا علي بن محمد بن أحمد المصري ، قال: حدثنا عبد الله بن عيسى المدني ، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر ، قال: حدثني هشام بن محمد بن السائب ، قال: حدثني حفص بن عمر بن النعمان البخاري ، قال: حدثني أبي ، عن جدي ، قال: سمعت حميدا دهقان الفلوجة السفلى ، وكان عمر قد فرض له في ألفي مع عدة من الدهاقين ، قال: كان ببابل سبع مدائن في كل مدينة أعجوبة ليست في الأخرى ، وكان في المدينة الأولى التي منها ملكها تمثال الأرض جميعا فإذا أتوا عليه بعين أهل مملكته بخراجها خرق أنهارها عليهم فعرفت حيث كانت فلا يستطيعون لها سدا حتى يؤدون ما عليهم فإذا سدها عليهم في تماثيلهم انسدت في بلادهم .

وفي المدينة الثانية حوض فإذا أراد الملك أن يجمعهم لطعامهم إلى من أحب منهم بما لا أحب من الأشربة نصبه في ذلك الحوض ، فاختلط جميعا ، ثم تقدم السقاة فأخذوا الآنية ، فمن صب في إنائه تنينا صار في شرابه الذي جاريه .

وفي المدينة الثالثة طبل إذا غاب من أهلها غائب فأرادوا أن يعلموا أحي هو أم [ ص: 168 ] ميت أتوا الطبل فضربوه ، فإن كان حيا صوت الطبل ، وإن كان ميتا لم يسمع له صوت .

وفي المدينة الرابعة: مرآة من حديد ، إذا غاب الرجل عن أهله فأحبوا أن يعلموا حاله كيف هو ، أتوا المرآة فنظروا فيها فأبصروه على حاله التي هو عليها .

وفي المدينة الخامسة: أوزة من نحاس إذا دخل المدينة غريب صوتت صوتا فسمعه جميع أهل المدن فيعلم أنه دخلها غريب .

وفي المدينة السادسة: قاضيان جالسان على الماء فيجيء المحق والمبطل ، فيمشي المحق على الماء حتى يجلس مع القاضي ويغمس المبطل في الماء .

وفي المدينة السابعة: شجرة لا تظل إلا ساقها فإن جلس تحتها رجل إلى ألف أظلتهم ، وإن زاد واحد جعلوا كلهم في الشمس . [ ص: 169 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية