إذا مات فوق الرحل أحييت روحه بذكراك والعيس المراسيل جنح
وجنح الليل أقبل وأمال أطنابه إلى الأرض . وقال النابغة يصف طيورا تتبع الجيش :
جوانح قد أيقن أن قبيله إذا ما التقى الجيشان أول غالب
ومنه قيل للأضلاع جوانح ; لأنها مالت على الحشوة ، ومنه الجناح لميله ، وقال : جنح الرجل إلى فلان وجنح له إذا تابعه وخضع له ، والضمير في جنحوا عائد على الذين نبذ إليهم على سواء ، وهم النضر بن شميل بنو قريظة والنضير ; وقيل : على مشركي قريش والعرب ; وقيل : على قوم سألوا من الرسول صلى الله عليه وسلم قبول الجزية منهم ، وجنح يتعدى بإلى وباللام ، والسلم يذكر ويؤنث . فقيل : التأنيث لغة ; وقيل : على معنى المسالمة ; وقيل : حملا على النقيض ، وهو الحرب ، وقال الشاعر :
وأفنيت في الحرب آلاتها وعددت للسلم أوزارها
وتقدم الخلاف في قراءة السين وكسرها ، والسلم الصلح لغة ، فقال قتادة هي موادعة المشركين ومهادنتهم ، وهذا راجع إلى رأي الإمام ، فإن رآه مصلحة فعل وإلا فلا ; وقيل : نزلت في قوم معتب سألوا الموادعة فأمر الله نبيه الإجابة إليها ، ثم نسخت بقوله : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون ) ; وقيل : أداء الجزية ، وقال الحسن : السلم الإسلام ، وعن نسخت بقوله : ( ابن عباس قاتلوا الذين لا يؤمنون ) ، وعن مجاهد بقوله : ( اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ، قال : والصحيح أن الأمر موقوف على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام وأهله من حرب أو سلم ، وليس بحتم أن يقاتلوا أبدا ، أو يجابوا إلى [ ص: 514 ] الهدنة أبدا ، وقرأ الزمخشري الأشهب العقيلي : فاجنح ، بضم النون ، وهي لغة قيس ، والجمهور بفتحها ، وهي لغة تميم ، وقال ابن جني : القياس في فعل اللازم ضم عين الكلمة في المضارع ، وهي أقيس من يفعل بالكسر ، وأمره تعالى بالتوكل عليه فلا يبالي بهم ، وإن أبطنوا الخديعة في جنوحهم إلى السلم فإن الله كاف من توكل عليه ، وهو السميع لأقوالهم العليم بنياتهم .