الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم ) قرأ حفص ( آمنتم ) على الخبر في كل القرآن ، أي : فعلتم هذا الفعل الشنيع ، وبخهم بذلك وقرعهم ، وقرأ العربيان ونافع والبزي بهمزة استفهام ومدة بعدها مطولة في تقدير ألفين إلا ورشا ، فإنه يسهل الثانية ، ولم يدخل أحد ألفا بين المحققة والملينة ، وكذلك في طه والشعراء ، وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر فيهن بالاستفهام وحققا الهمزة وبعدها ألف ، وقرأ قنبل هنا بإبدال همزة الاستفهام واوا ، لضمة نون فرعون وتحقيق الهمزة بعدها ، أو تسهيلها ، أو إبدالها أو إسكانها ، أربعة أوجه ، وقرأ في طه مثل حفص وفي الشعراء مثل البزي ، هذا الاستفهام معناه الإنكار والاستبعاد ، والضمير في ( به ) عائد على الله تعالى لقولهم ( قالوا آمنا برب العالمين ) ، وقيل : يحتمل أن يعود على موسى ، وفي طه والشعراء يعود في قوله له على موسى لقوله : ( إنه لكبيركم ) ، وقيل : آمنت به وآمنت له واحد في قوله : ( قبل أن آذن لكم ) دليل على وهن أمره ؛ لأنه إنما جعل ذنبهم بمفارقة الإذن ولم يجعله نفس الإيمان إلا بشرط .

( إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها ) ، أي : صنيعكم هذا لحيلة احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن تخرجوا منها إلى هذه الصحراء ، وتواطأتم على ذلك لغرض لكم وهو أن تخرجوا منها القبط وتسكنوا بني إسرائيل ، قال هذا تمويها على الناس لئلا يتبعوا السحرة في الإيمان ، روي عن ابن مسعود ، وابن عباس أن موسى - عليه السلام - اجتمع مع رئيس السحرة شمعون فقال له موسى : أرأيت إن غلبتكم أتؤمنون بي ، فقال له نعم فعلم بذلك فرعون فقال ما قال . انتهى . ولما خاف فرعون أن يكون إيمان السحرة حجة قومه ألقى في الحال نوعين من الشبه أحدهما : إن هذا تواطؤ منهم لا أن ما جاء به حق ، والثاني : إن ذلك طلب منهم للملك .

( فسوف تعلمون ) تهديد ووعيد ، ومفعول ( تعلمون ) محذوف ، أي : ما يحل بكم أبهم في متعلق ( تعلمون ) ، ثم عين ما يفعل بهم فقال مقسما : ( لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين ) لما ظهرت الحجة عاد إلى عادة ملوك السوء إذا غلبوا من تعذيب من ناوأهم وإن كان محقا ، ومعنى ( من خلاف ) ، أي : يد يمنى ورجل يسرى والعكس ، قيل : هو أول من فعل هذا ، وقيل : المعنى من أجل الخلاف الذي ظهر منكم ، والصلب التعليق على الخشب ، وهذا التوعد الذي توعده فرعون السحرة ليس في القرآن نص على أنه أنفذه وأوقعه بهم ، ولكن روي في القصص أنه قطع بعضا وصلب بعضا وتقدم قول قتادة ، وروي عن ابن عباس أنهم أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء ، وقرأ [ ص: 366 ] مجاهد ، وحميد المكي ، وابن محيصن ( لأقطعن ) مضارع قطع الثلاثي ( لأصلبنكم ) مضارع صلب الثلاثي بضم لام ( لأصلبنكم ) وروي بكسرها ، وجاء هنا ( ثم ) وفي السورتين ( ولأصلبنكم ) بالواو فدل على أن الواو أريد بها معنى ثم من كون الصلب بعد القطع ، والتعدية قد يكون معها مهلة ، وقد لا يكون .

التالي السابق


الخدمات العلمية