وقال ، ابن عباس وعطاء ، ومجاهد ، والضحاك وسفيان : نزلت في المؤمنين ، سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت ، فدعاه وتلاها عليه .
وقال بعض المفسرين : كان الرجل إذا نطق بالشهادتين ، وصلى إلى أي ناحية ثم مات وجبت له الجنة ، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزلت الفرائض ، وحدت الحدود ، وصرفت القبلة إلى الكعبة ، أنزلها الله .
وقيل : سبب نزولها إنكار الكفار على المؤمنين تحويلهم عن بيت المقدس إلى الكعبة ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة : لأنها إن كانت في أهل الكتاب ، فقد جرى ذكرهم بأقبح الذكر من كتمانهم ما أنزل الله واشترائهم به ثمنا قليلا ، وذكر ما أعد لهم ، ولم يبق لهم مما يظهرون به شعار دينهم إلا صلاتهم ، وزعمهم أن ذلك البر ، فرد عليهم بهذه الآية .
وإن كانت في المؤمنين فهو نهي لهم أن يتعلقوا من شريعتهم بأيسر شيء كما تعلق أهل الكتابين ، ولكن عليهم العمل بجميع ما في طاقتهم من تكاليف الشريعة على ما بينها الله تعالى .
وقرأ حمزة وحفص : ( ليس البر ) بنصب الراء ، وقرأ باقي السبعة برفع الراء .
وقال في مصحف الأعمش عبد الله : " لا تحسبن البر " ، وفي مصحف أبي ، وعبد الله أيضا " ليس البر بأن تولوا " ، فمن قرأ بنصب " البر " جعله خبر ليس ، و " أن تولوا " في موضع الاسم ، والوجه أن يلي المرفوع لأنها بمنزلة الفعل المتعدي ، وهذه القراءة من وجه أولى ، وهو أن جعل فيها اسم ليس : " أن تولوا " ، وجعل الخبر " البر " ، وأن وصلتها أقوى في التعريف من المعرف بالألف واللام ، وقراءة الجمهور أولى من وجه ، وهو أن توسط خبر ليس بينها وبين اسمها قليل ، [ ص: 3 ] وقد ذهب إلى المنع من ذلك ابن درستويه تشبيها لها بما . . أراد الحكم عليها بأنها حرف ، كما لا يجوز توسيط خبر ما ، وهو محجوج بهذه القراءة المتواترة ، وبورود ذلك في كلام العرب .
قال الشاعر :
سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم وليس سواء عالم وجهول
وقال الآخر :
أليس عظيما أن تلم ملمة وليس علينا في الخطوب معول
وقراءة " بأن تولوا " على زيادة الباء في الخبر ، كما زادوها في اسمها إذا كان " أن " وصلتها . قال الشاعر :
أليس عجيبا بأن الفتى يصاب ببعض الذي في يديه
أدخل الباء على اسم ليس ، وإنما موضعها الخبر ، وحسن ذلك في البيت ذكر العجيب مع التقرير الذي تفيده الهمزة ، وصار معنى الكلام : أعجب بأن الفتى ، ولو قلت أليس قائما بزيد لم يجز .
والبر اسم جامع للخير ، وتقدم الكلام فيه ، وانتصاب " قبل " على الظرف وناصبه " تولوا " ، والمعنى : أنهم لما أكثروا الخوض في أمر القبلة حتى وقع التحويل إلى الكعبة . وزعم كل من الفريقين أن البر هو التوجه إلى قبلته ، فرد الله عليهم ، وقيل : ليس البر فيما أنتم عليه ، فإنه منسوخ خارج من البر .
وقيل : ليس البر العظيم الذي يجب أن يذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البر أمر القبلة . وقال قتادة قبلة النصارى مشرق بيت المقدس : لأنه ميلاد عيسى - على نبينا وعليه السلام - لقوله تعالى : ( مكانا شرقيا ) ، واليهود مغربه ، والآية رد على الفريقين .