(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183nindex.php?page=treesubj&link=28973يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ) : مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه أخبر تعالى : أولا بكتب القصاص وهو : إتلاف النفوس ، وهو من أشق التكاليف ، فيجب على القاتل إسلام نفسه للقتل ، ثم أخبر ثانيا بكتب الوصية وهو : إخراج المال الذي هو عديل الروح ، ثم انتقل ثالثا إلى كتب الصيام ، وهو : منهك للبدن ، مضعف له ، مانع وقاطع ما ألفه الإنسان من الغذاء بالنهار ، فابتداء بالأشق ثم بالأشق بعده ، ثم بالشاق فهذا انتقال فيما كتبه الله على عباده في هذه الآية ، وكان فيما قبل ذلك قد ذكر من أركان الإسلام ثلاثة : الإيمان ، والصلاة ، والزكاة ، فأتى بهذا الركن الرابع ، وهو الصوم . وبناء ( كتب ) للمفعول في هذه المكتوبات الثلاثة ، وحذف الفاعل للعلم به ، إذ هو : الله تعالى : لأنها مشاق صعبة على المكلف ، فناسب أن لا تنسب إلى الله تعالى ، وإن كان الله تعالى هو الذي كتبها ، وحين يكون المكتوب للمكلف فيه راحة واستبشار يبنى الفعل للفاعل ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54كتب ربكم على نفسه الرحمة ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=21كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ) ، وهذا من لطيف علم البيان .
أما بناء الفعل للفاعل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) ، فناسب لاستعصاء
اليهود وكثرة مخالفاتهم لأنبيائهم بخلاف هذه الأمة المحمدية ، ففرق بين الخطابين لافتراق المخاطبين ، ونادى المؤمنين عند إعلامهم بهذا المكتوب
[ ص: 29 ] الثالث الذي هو الصيام لينبههم على استماع ما يلقي إليهم من هذا التكليف ، ولم يحتج إلى نداء في المكتوب الثاني لانسلاكه مع الأول في نظام واحد ، وهو : حضور الموت بقصاص أو غيره ، وتباين هذا التكليف الثالث منها ، وقدم الجار والمجرور على المفعول به الصريح وإن كان أكثر الترتيب العربي بعكس ذلك ، نحو : ضرب زيد بسوط : لأن ما احتيج في تعدي الفعل إليه إلى واسطة دون ما تعدى إليه بغير واسطة : لأن البداءة بذكر المكتوب عليه أكثر من ذكر المكتوب لتعلق الكتب بمن نودي ، فتعلم نفسه أولا أن المنادى هو المكلف ، فيرتقب بعد ذلك لما كلف به .
والألف واللام في "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183الصيام " ، للعهد إن كانت قد سبقت تعبداتهم به ، أو للجنس إن كانت لم تسبق . وجاء هذا المصدر على فعال ، وهو أحد البنائين الكثيرين في مصدر هذا النوع من الفعل ، وهو الفعل الواوي العين الصحيح الآخر ، والبناءان هما فعول وفعال ، وعدل عن الفعول وإن كان الأصل لاستثقال الواوين ، وقد جاء منه شيء على الأصل : كالفئور ، ولثقل اجتماع الواوين همز بعضهم فقال : الفئور .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كما كتب ) الظاهر أن هذا المجرور في موضع الصفة لمصدر محذوف ، أو في موضع الحال على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه على ما سبق ، أي : كتبا مثل ما كتب أو كتبه ، أي : الكتب منها كتب ، وتكون السببية قد وقع في مطلق الكتب وهو الإيجاب ، وإن كان متعلقه مختلفا بالعدد أو بغيره ، وروي هذا المعنى عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ،
وعطاء ، وتكون إذ ذاك ما مصدرية . وقيل : الكاف في موضع نصب على الحال من الصيام ، أي : مشبها ما كتب على الذين من قبلكم ، وتكون ما موصولة أي : مشبها الذي كتب عليكم ، وذو الحال هو : الصيام ، والعامل فيها العامل فيه ، وهو : كتب عليكم . وأجاز
ابن عطية أن تكون الكاف في موضع صفة لصوم محذوف ، التقدير : صوما كما ، وهذا فيه بعد : لأن تشبيه الصوم بالكتابة لا يصح ، هذا إن كانت ما مصدرية ، وأما إن كانت موصولة ففيه أيضا بعد : لأن تشبيه الصوم بالمصوم لا يصح إلا على تأويل بعيد . وأجاز بعض النحاة أن تكون الكاف في موضع رفع على أنها نعت لقوله : الصيام ، قال : إذ ليس تعريفه بمستحسن لمكان الإجمال الذي فيه مما فسرته الشريعة ، فلذلك جاز نعته بكما ، إذ لا ينعت بها إلا النكرات ، فهي بمنزلة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كتب عليكم الصيام ) ، انتهى كلامه ، وهو هدم للقاعدة النحوية من وجوب توافق النعت والمنعوت في التعريف والتنكير ، وقد ذهب بعضهم إلى نحو من هذا ، وأن الألف واللام إذا كانت جنسية جاز أن يوصف مصحوبها بالجملة ، وجعل من ذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) ، ولا يقوم دليل على إثبات هدم ما ذهب إليه النحويون ، وتلخص في : ما ، من قوله : " كما " وجهان أحدهما : أن تكون مصدرية ، وهو الظاهر ، والآخر : أن تكون موصولة بمعنى الذي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183nindex.php?page=treesubj&link=28973على الذين من قبلكم ) ظاهره عموم الذين من قبلنا من الأنبياء وأممهم من آدم إلى زماننا . وقال
علي : أولهم
آدم ، فلم يفترضها عليكم ، يعني : أن الصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمة من افتراضها عليهم ، فلم يفترضها عليكم خاصة ، وقيل : الذين من قبلنا هم
النصارى . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي وغيره : والمصوم معين وهو رمضان فرض على الذين من قبلنا وهم
النصارى ، احتاطوا له بزيادة يوم قبله ويوم بعده قرنا بعد قرن حتى بلغوه خمسين يوما ، فصعب عليهم في الحر ، فنقلوه إلى الفصل الشمسي . قال
النقاش : وفي ذلك حديث عن
دغفل ،
والحسن ،
والسدي .
وقيل : بل مرض ملك من ملوكهم ، فنذر إن برئ أن يزيد فيه عشرة أيام ، ثم آخر سبعة ، ثم آخر ثلاثة ، ورأوا أن الزيادة فيه حسنة بإزاء الخطأ في نقله . وقيل : كان
النصارى أولا يصومون ، فإذا أفطروا فلا يأكلون ولا يشربون ولا يطأون إذا ناموا ، ثم انتبهوا في الليل ، وكان ذلك في أول الإسلام ، ثم نسخ بسبب
عمر ،
وقيس بن صرمة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أيضا
والربيع [ ص: 30 ] وأبو العالية .
قيل : وكذا كان صوم
اليهود ، فيكون المراد بالذين من قبلنا ،
اليهود والنصارى ، وقيل : الذين من قبلنا : هم
اليهود خاصة ، فرض علينا كما فرض عليهم ، ثم نسخه الله بصوم رمضان . قال
الراغب : للصوم فائدتان : رياضة الإنسان نفسه عن ما تدعوه إليه من الشهوات ، والاقتداء بالملأ الأعلى على قدر الوسع ، انتهى . وحكمة التشبيه أن الصوم عبادة شاقة ، فإذا ذكر أنه كان مفروضا على من تقدم من الأمم سهلت هذه العبادة . ( تتقون ) الظاهر تعلق ( لعل ) بـ ( كتب ) أي : سبب فرضية الصوم هو رجاء حصول التقوى لكم ، فقيل : المعنى تدخلون في زمرة المتقين : لأن الصوم شعارهم ، وقيل : تجعلون بينكم وبين النار وقاية بترك المعاصي ، فإن الصوم لإضعاف الشهوة وردعها ، كما قال عليه السلام
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373895 " فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء " .
وقيل : تتقون الأكل والشرب والجماع في وقت وجوب الصوم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . وقيل : تتقون المعاصي : لأن الصوم يكف عن كثير مما تشوق إليه النفس ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، وقيل : تتقون محظورات الصوم ، وهذا راجع لقول
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183nindex.php?page=treesubj&link=28973يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) : مُنَاسَبَةُ هَذِهِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ أَخْبَرَ تَعَالَى : أَوَّلًا بِكَتْبِ الْقِصَاصِ وَهُوَ : إِتْلَافُ النُّفُوسِ ، وَهُوَ مِنْ أَشَقِّ التَّكَالِيفِ ، فَيَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ إِسْلَامُ نَفْسِهِ لِلْقَتْلِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ ثَانِيًا بِكَتْبِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ : إِخْرَاجُ الْمَالِ الَّذِي هُوَ عَدِيلُ الرُّوحِ ، ثُمَّ انْتَقَلَ ثَالِثًا إِلَى كَتْبِ الصِّيَامِ ، وَهُوَ : مُنْهِكٌ لِلْبَدَنِ ، مُضْعِفٌ لَهُ ، مَانِعٌ وَقَاطِعٌ مَا أَلِفَهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْغِذَاءِ بِالنَّهَارِ ، فَابْتِدَاءٌ بِالْأَشَقِّ ثُمَّ بِالْأَشَقِّ بَعْدَهُ ، ثُمَّ بِالشَّاقِّ فَهَذَا انْتِقَالٌ فِيمَا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَكَانَ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ ذَكَرَ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةً : الْإِيمَانَ ، وَالصَّلَاةَ ، وَالزَّكَاةَ ، فَأَتَى بِهَذَا الرُّكْنِ الرَّابِعِ ، وَهُوَ الصَّوْمُ . وَبِنَاءُ ( كُتِبَ ) لِلْمَفْعُولِ فِي هَذِهِ الْمَكْتُوبَاتِ الثَّلَاثَةِ ، وَحَذْفُ الْفَاعِلِ لِلْعِلْمِ بِهِ ، إِذْ هُوَ : اللَّهُ تَعَالَى : لِأَنَّهَا مَشَاقٌّ صَعْبَةٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ ، فَنَاسَبَ أَنْ لَا تُنْسَبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي كَتَبَهَا ، وَحِينَ يَكُونُ الْمَكْتُوبُ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ رَاحَةٌ وَاسْتِبْشَارٌ يُبْنَى الْفِعْلُ لِلْفَاعِلِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=21كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=22أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ) ، وَهَذَا مِنْ لَطِيفِ عِلْمِ الْبَيَانِ .
أَمَّا بِنَاءُ الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) ، فَنَاسَبَ لِاسْتِعْصَاءِ
الْيَهُودِ وَكَثْرَةِ مُخَالَفَاتِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ لِافْتِرَاقِ الْمُخَاطَبِينَ ، وَنَادَى الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ إِعْلَامِهِمْ بِهَذَا الْمَكْتُوبِ
[ ص: 29 ] الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ الصِّيَامُ لِيُنَبِّهَهُمْ عَلَى اسْتِمَاعِ مَا يُلْقِي إِلَيْهِمْ مِنْ هَذَا التَّكْلِيفِ ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى نِدَاءٍ فِي الْمَكْتُوبِ الثَّانِي لِانْسِلَاكِهِ مَعَ الْأَوَّلِ فِي نِظَامٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ : حُضُورُ الْمَوْتِ بِقِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَتَبَايَنَ هَذَا التَّكْلِيفُ الثَّالِثُ مِنْهَا ، وَقَدَّمَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ الصَّرِيحِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ التَّرْتِيبِ الْعَرَبِيِّ بِعَكْسِ ذَلِكَ ، نَحْوَ : ضُرِبَ زَيْدٌ بِسَوْطٍ : لِأَنَّ مَا احْتِيجَ فِي تَعَدِّي الْفِعْلِ إِلَيْهِ إِلَى وَاسِطَةٍ دُونَ مَا تَعَدَّى إِلَيْهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ : لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِذِكْرِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذِكْرِ الْمَكْتُوبِ لِتَعَلُّقِ الْكَتْبِ بِمَنْ نُودِيَ ، فَتَعْلَمُ نَفْسُهُ أَوَّلًا أَنَّ الْمُنَادَى هُوَ الْمُكَلَّفُ ، فَيَرْتَقِبُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا كُلِّفَ بِهِ .
وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183الصِّيَامُ " ، لِلْعَهْدِ إِنْ كَانَتْ قَدْ سَبَقَتْ تَعَبُّدَاتُهُمْ بِهِ ، أَوْ لِلْجِنْسِ إِنْ كَانَتْ لَمْ تَسْبِقْ . وَجَاءَ هَذَا الْمَصْدَرُ عَلَى فِعَالٍ ، وَهُوَ أَحَدُ الْبِنَائَيْنِ الْكَثِيرَيْنِ فِي مَصْدَرِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْفِعْلِ ، وَهُوَ الْفِعْلُ الْوَاوِيُّ الْعَيْنِ الصَّحِيحُ الْآخِرُ ، وَالْبِنَاءَانِ هُمَا فُعُولٌ وَفِعَالٌ ، وَعَدَلَ عَنِ الْفُعُولِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلَ لِاسْتِثْقَالِ الْوَاوَيْنِ ، وَقَدْ جَاءَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى الْأَصْلِ : كَالْفُئُورِ ، وَلِثِقَلِ اجْتِمَاعِ الْوَاوَيْنِ هَمَزَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ : الْفُئُورَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كَمَا كُتِبَ ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْمَجْرُورَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ، أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ عَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ عَلَى مَا سَبَقَ ، أَيْ : كَتْبًا مِثْلَ مَا كُتِبَ أَوْ كَتَبَهُ ، أَيِ : الْكَتْبُ مِنْهَا كَتْبٌ ، وَتَكُونُ السَّبَبِيَّةُ قَدْ وَقَعَ فِي مُطْلَقِ الْكَتْبِ وَهُوَ الْإِيجَابُ ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَلَّقُهُ مُخْتَلِفًا بِالْعَدَدِ أَوْ بِغَيْرِهِ ، وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ،
وَعَطَاءٍ ، وَتَكُونُ إِذْ ذَاكَ مَا مَصْدَرِيَّةً . وَقِيلَ : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الصِّيَامِ ، أَيْ : مُشْبِهًا مَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَتَكُونُ مَا مَوْصُولَةً أَيْ : مُشَبِهًا الَّذِي كُتِبَ عَلَيْكُمْ ، وَذُو الْحَالِ هُوَ : الصِّيَامُ ، وَالْعَامِلُ فِيهَا الْعَامِلُ فِيهِ ، وَهُوَ : كُتِبَ عَلَيْكُمْ . وَأَجَازَ
ابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ صِفَةٍ لِصَوْمٍ مَحْذُوفٍ ، التَّقْدِيرُ : صَوْمًا كَمَا ، وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ : لِأَنَّ تَشْبِيهَ الصَّوْمِ بِالْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ ، هَذَا إِنْ كَانَتْ مَا مَصْدَرِيَّةً ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ مَوْصُولَةً فَفِيهِ أَيْضًا بُعْدٌ : لِأَنَّ تَشْبِيهَ الصَّوْمِ بِالْمَصُومِ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَلَى تَأْوِيلٍ بَعِيدٍ . وَأَجَازَ بَعْضُ النُّحَاةِ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهَا نَعْتٌ لِقَوْلِهِ : الصِّيَامُ ، قَالَ : إِذْ لَيْسَ تَعْرِيفُهُ بِمُسْتَحْسَنٍ لِمَكَانِ الْإِجْمَالِ الَّذِي فِيهِ مِمَّا فَسَّرَتْهُ الشَّرِيعَةُ ، فَلِذَلِكَ جَازَ نَعْتُهُ بِكَمَا ، إِذْ لَا يُنْعَتُ بِهَا إِلَّا النَّكِرَاتُ ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) ، انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَهُوَ هَدْمٌ لِلْقَاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ مِنْ وُجُوبِ تَوَافُقِ النَّعْتِ وَالْمَنْعُوتِ فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ ، وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا ، وَأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ إِذَا كَانَتْ جِنْسِيَّةً جَازَ أَنْ يُوصَفَ مَصْحُوبُهَا بِالْجُمْلَةِ ، وَجَعَلَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=37وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ) ، وَلَا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِ هَدْمِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ النَّحْوِيُّونَ ، وَتَلَخَّصَ فِي : مَا ، مِنْ قَوْلِهِ : " كَمَا " وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَالْآخَرُ : أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183nindex.php?page=treesubj&link=28973عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ظَاهِرُهُ عُمُومِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمِهِمْ مِنْ آدَمَ إِلَى زَمَانِنَا . وَقَالَ
عَلِيٌّ : أَوَّلُهُمْ
آدَمُ ، فَلَمْ يَفْتَرِضْهَا عَلَيْكُمْ ، يَعْنِي : أَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ قَدِيمَةٌ أَصْلِيَّةٌ مَا أَخْلَى اللَّهُ أُمَّةً مِنَ افْتِرَاضِهَا عَلَيْهِمْ ، فَلَمْ يَفْتَرِضْهَا عَلَيْكُمْ خَاصَّةً ، وَقِيلَ : الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا هُمُ
النَّصَارَى . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ : وَالْمَصُومُ مُعَيَّنٌ وَهُوَ رَمَضَانُ فُرِضَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا وَهُمُ
النَّصَارَى ، احْتَاطُوا لَهُ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ قَبْلَهُ وَيَوْمٍ بَعْدَهُ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ حَتَّى بَلَّغُوهُ خَمْسِينَ يَوْمًا ، فَصَعُبَ عَلَيْهِمْ فِي الْحَرِّ ، فَنَقَلُوهُ إِلَى الْفَصْلِ الشَّمْسِيِّ . قَالَ
النَّقَّاشُ : وَفِي ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنْ
دَغْفَلٍ ،
وَالْحَسَنِ ،
وَالسُّدِّيِّ .
وَقِيلَ : بَلْ مَرِضَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِهِمْ ، فَنَذَرَ إِنْ بَرِئَ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ، ثُمَّ آخَرُ سَبْعَةً ، ثُمَّ آخَرُ ثَلَاثَةً ، وَرَأَوْا أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ حَسَنَةٌ بِإِزَاءِ الْخَطَأِ فِي نَقْلِهِ . وَقِيلَ : كَانَ
النَّصَارَى أَوَّلًا يَصُومُونَ ، فَإِذَا أَفْطَرُوا فَلَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَطَأُونَ إِذَا نَامُوا ، ثُمَّ انْتَبَهُوا فِي اللَّيْلِ ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ نُسِخَ بِسَبَبِ
عُمَرَ ،
وَقَيْسِ بْنِ صِرْمَةَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ أَيْضًا
وَالرَّبِيعُ [ ص: 30 ] وَأَبُو الْعَالِيَةِ .
قِيلَ : وَكَذَا كَانَ صَوْمُ
الْيَهُودِ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ،
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، وَقِيلَ : الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا : هُمُ
الْيَهُودُ خَاصَّةً ، فُرِضَ عَلَيْنَا كَمَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّهُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ . قَالَ
الرَّاغِبُ : لِلصَّوْمِ فَائِدَتَانِ : رِيَاضَةُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عَنْ مَا تَدْعُوهُ إِلَيْهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ ، وَالِاقْتِدَاءُ بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى عَلَى قَدْرِ الْوُسْعِ ، انْتَهَى . وَحِكْمَةُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ شَاقَّةٌ ، فَإِذَا ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ مَفْرُوضًا عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأُمَمِ سَهُلَتْ هَذِهِ الْعِبَادَةُ . ( تَتَّقُونَ ) الظَّاهِرُ تَعَلُّقُ ( لَعَلَّ ) بِـ ( كُتِبَ ) أَيْ : سَبَبُ فَرْضِيَّةِ الصَّوْمِ هُوَ رَجَاءُ حُصُولِ التَّقْوَى لَكُمْ ، فَقِيلَ : الْمَعْنَى تَدْخُلُونَ فِي زُمْرَةِ الْمُتَّقِينَ : لِأَنَّ الصَّوْمَ شِعَارُهُمْ ، وَقِيلَ : تَجْعَلُونَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ النَّارِ وِقَايَةً بِتَرْكِ الْمَعَاصِي ، فَإِنَّ الصَّوْمَ لِإِضْعَافِ الشَّهْوَةِ وَرَدْعِهَا ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373895 " فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ " .
وَقِيلَ : تَتَّقُونَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالْجِمَاعَ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الصَّوْمِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ . وَقِيلَ : تَتَّقُونَ الْمَعَاصِيَ : لِأَنَّ الصَّوْمَ يَكُفُّ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تَشَوَّقُ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ ، وَقِيلَ : تَتَّقُونَ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ ، وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ .