( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه     ) ، الذين آمنوا : هم من آمن بمحمد    - صلى الله عليه وسلم - والضمير : فيما اختلفوا ، عائد على الذين أوتوه ، أي : لما اختلف فيه من اختلف ، ومن الحق تبيين المختلف فيه ، و " من " تتعلق بمحذوف ؛ لأنها في موضع الحال من " ما " فتكون للتبعيض ، ويجوز أن تكون لبيان الجنس على قول من يرى ذلك ، التقدير : لما اختلفوا فيه الذي هو الحق . والأحسن أن يحمل المختلف فيه هنا على الدين والإسلام ؛ ويدل عليه قراءة عبد الله    : لما اختلفوا فيه من الإسلام . 
وقد حمل هذا المختلف فيه على غير هذا ، وفي تعيينه خلاف : أهو الجمعة ؟ جعلها اليهود  السبت ، والنصارى  الأحد ، وكانت فرضت عليهم كما فرضت علينا ؟ وفي الصحيحين : ( نحن الأولون والآخرون السابقون يوم القيامة ؛ بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم   ) . فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه ، فهدانا الله له ، قال : يوم الجمعة : فاليوم لنا وغدا لليهود  ، وبعد غد للنصارى    . أو الصلاة ؟ فمنهم من يصلي إلى المشرق ، ومنهم من يصلي إلى المغرب ، فهدى الله تعالى المؤمنين إلى القبلة ، قاله  زيد بن أسلم    . أو إبراهيم    - على نبينا وعليه السلام . قالت النصارى    : كان نصرانيا ، وقالت اليهود    : كان يهوديا ، فهدى الله المؤمنين لدينه بقوله : ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا    ) ، أو عيسى    - على نبينا وعليه السلام . جعلته اليهود  لعنة ، وجعلته النصارى  إلها ، فهدانا الله تعالى لقول الحق فيه ، قاله ابن زيد    . أو الكتب التي آمنوا ببعضها وكفروا ببعضها . أو الصيام . اختلفوا فيه ، فهدانا الله لشهر رمضان . فهذه ستة [ ص: 139 ] أقوال غير الأول . 
وقال الفراء    : في الكلام قلب ، وتقديره : فهدى الله الذين آمنوا للحق مما اختلفوا فيه ، واختاره  الطبري    . قال ابن عطية    : ودعاه إلى هذا التقدير خوف أن يحتمل اللفظ أنهم اختلفوا في الحق ، فهدى الله المؤمنين لبعض ما اختلفوا فيه ، وعساه غير الحق في نفسه ، قال : وادعاء القلب على لفظ كتاب الله دون ضرورة تدفع إلى ذلك عجز وسوء نظر ؛ وذلك أن الكلام يتخرج على وجهه ورصفه ؛ لأن قوله " فهدى " يقتضي أنهم أصابوا الحق ، وتم المعنى في قوله " فيه " ، وتبين بقوله " من الحق " جنس ما وقع الخلاف فيه . قال المهدوي    : وقدم لفظ الخلاف على لفظ الحق اهتماما ؛ إذ العناية إنما هي بذكر الخلاف . انتهى كلام ابن عطية  ، وهو حسن . والقلب عند أصحابنا يختص بضرورة الشعر ؛ فلا نخرج كلام الله عليه . وبإذنه : معناه بعلمه ، قاله  الزجاج  ، أو : بأمره وتوفيقه ، أو بتمكينه ، أقوال مرت مشبعا الكلام عليها ، في قوله : ( فإنه نزله على قلبك بإذن الله    ) ، ويتعلق بإذنه بقوله : " فهدى الله " ، وأبعد من أضمر له فعلا مطاوعا تقديره : " فاهتدوا بإذنه " ، وهو قول أبي علي  ؛ إذ لا حاجة لهذا الإضمار . 
				
						
						
