( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ) ، نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصاب من الجهد وشدة الخوف والبرد وأنواع الأذى ، كما قال تعالى : ( وبلغت القلوب الحناجر ) ، قاله قتادة ، والسدي . أو في حرب أحد ، قتل فيها جماعة من المسلمين ، وجرت شدائد حتى قال عبد الله بن أبي وأصحابه : إلى متى تقتلون أنفسكم وتهلكون أموالكم ؟ لو كان محمد نبيا لما سلط عليكم القتل والأسر . فقالوا : لا جرم ، من قتل منا دخل الجنة . فقال : إلى متى تسألون أنفسكم بالباطل ؟ أو : في أول ما هاجروا إلى المدينة ، دخلوها بلا مال ، وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين ، رضي الله تعالى عنهم ، فأظهرت اليهود العداوة ، وأسر قوم النفاق . قاله عطاء . قيل : ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه قال : يهدي من يشاء ، والمراد إلى الحق الذي يفضي اتباعه إلى الجنة ، فبين أن ذلك لا يتم إلا باحتمال الشدائد والتكليف ؛ أو : لما بين أنه هداهم بين أنه بعد تلك الهداية احتملوا الشدائد في إقامة الحق ، فكذا أنتم - أصحاب محمد - لا تستحقون الفضيلة في الدين إلا بتحمل هذه المحن . و " أم " هنا منقطعة مقدرة ببل والهمزة فتتضمن إضرابا ، وهو انتقال من كلام إلى كلام ، ويدل على استفهام لكنه استفهام تقرير ، وهي التي عبر عنها أبو محمد بن عطية بأن " أم " قد تجيء ابتداء كلام - وإن لم يكن تقسيم ولا معادلة - ألف استفهام . فقوله " قد يجيء " ابتداء كلام ليس كما ذكر ؛ لأنها تتقدر ببل والهمزة ، فكما أن " بل " لا بد أن يتقدمها كلام حتى يصير في حيز عطف الجمل ، فكذلك ما تضمن معناه . وزعم بعض اللغويين أنها تأتي بمنزلة همزة الاستفهام ، ويبتدأ بها ؛ فهذا يقتضي أن يكون التقدير : أحسبتم ؟ وقال : بمعنى بل ، قال : الزجاج
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أم أنت في العين أملح ؟
ورام بعض المفسرين أن يجعلها متصلة ، ويجعل قبلها جملة مقدرة تصير بتقديرها أم متصلة ، فتقدير الآية : فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق ، فصبروا على استهزاء قومهم بهم ، أفتسلكون سبيلهم ؟ أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير سلوك سبيلهم ؟ فتلخص في أم هنا أربعة أقوال : الانقطاع [ ص: 140 ] على أنها بمعنى بل والهمزة ، والاتصال على إضمار جملة قبلها ، والاستفهام بمعنى الهمزة ، والإضراب بمعنى بل ؛ والصحيح هو القول الأول . ومفعولا " حسبتم " سدت " أن " مسدهما على مذهب ، وأما سيبويه أبو الحسن فسدت عنده مسد المفعول الأول ، والمفعول الثاني محذوف ، وقد تقدم هذا المعنى في قوله : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) .