إن الصنيعة لا تكون صنيعة حتى يصاب بها طريق المصنع
انتهى كلامه ، وهو لا بأس به ، و ( من خير ) يتناول القليل والكثير . وبدأ في المصرف بالأقرب فالأقرب ، ثم بالأحوج فالأحوج ، وقد مر الكلام في شيء من هذا الترتيب وشبهه ، وقد استدل بهذه الآية على وجوب ، وحمل بعضهم الآية على أنها في الوالدين إذا كانا فقيرين ، وهو غني . نفقة الوالدين والأقربين على الواجد
( وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم ) ، " ما " في الموضعين : شرطية منصوبة بالفعل بعدها ، ويجوز أن تكون " ما " من قوله : ( قل ما أنفقتم ) موصولا ، و " أنفقتم " صلة ، و " للوالدين " خبر ، فالجار والمجرور في موضع المفرد ، أو في موضع الجملة على الخلاف الذي في الجار والمجرور الواقع خبرا ، أو هو معمول لمفرد ، أو لجملة . وإذا كانت " ما " في " ما أنفقتم " شرطية ؛ فهذا الجار والمجرور في موضع خبر لمبتدأ محذوف ، التقدير : فهو [ ص: 143 ] أو فمصرفه للوالدين . وقرأ : " وما يفعلوا " بالياء ، فيكون ذلك من باب الالتفات ، أو من باب ما أضمر لدلالة المعنى عليه ، أي : وما يفعل الناس ، فيكون أعم من المخاطبين قبل ، إذ يشملهم وغيرهم ، وفي قوله " من خير " في الإنفاق يدل على طيب المنفق وكونه حلالا ؛ لأن الخبيث منهي عنه بقوله : ( علي بن أبي طالب ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) ؛ وما ورد من ؛ ولأن الحرام لا يقال فيه خير . وقوله : " من خير " في قوله : " وما تفعلوا " هو أعم من " خير " المراد به المال ؛ لأن ما يتعلق به هو الفعل ، والفعل أعم من الإنفاق ، فيدخل الإنفاق في الفعل ، فـ " خير " هنا هو الذي يقابل الشر ، والمعنى : وما تفعلوا من شيء من وجوه البر والطاعات ، وجعل بعضهم هنا " وما تفعلوا " راجعا إلى معنى الإنفاق ، أي : وما تفعلوا من إنفاق خير ، فيكون الأول بيانا للمصرف ، وهذا بيان للمجازاة ، والأولى العموم ؛ لأنه يشمل إنفاق المال وغيره ، ويترجح بحمل اللفظ على ظاهره من العموم . ولما كان أولا السؤال عن خاص ؛ أجيبوا بخاص ، ثم أتى بعد ذلك الخاص التعميم في أفعال الخير ، وذكر المجازاة على فعلها ، وفي قوله : ( فإن الله به عليم ) دلالة على المجازاة ؛ لأنه إذا كان عالما به جازى عليه ، فهي جملة خبرية ، وتتضمن الوعد بالمجازاة . أن الله طيب لا يقبل إلا الطيب
( كتب عليكم القتال ) ، قال : لما فرض الله الجهاد على المسلمين شق عليهم ، وكرهوا ؛ فنزلت هذه الآية . وظاهر قوله " كتب " أنه فرض على الأعيان ، كقوله : ( ابن عباس كتب عليكم الصيام ) ، ( كتب عليكم القصاص ) ، ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) ، وبه قال عطاء ، قال : فرض القتال على أعيان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فلما استقر الشرع وقيم به ؛ صار على الكفاية . وقال الجمهور : أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين ، ثم استمر الإجماع على أنه فرض كفاية إلى أن نزل بساحة الإسلام ؛ فيكون فرض عين . وحكى المهدوي وغيره ، عن أنه قال : الجهاد تطوع ، ويحمل على سؤال سائل ، وقد قيم بالجهاد ؟ فأجيب بأنه في حقه تطوع . وقرأ الجمهور " كتب " مبنيا للمفعول على النمط الذي تقدم قبل هذا من لفظ " كتب " ، وقرأ قوم " كتب " مبنيا للفاعل ، وبنصب القتال ، والفاعل ضمير في كتب يعود على اسم الله تعالى . ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه : لما ذكر ما مس من تقدمنا من أتباع الرسل من البلايا ، وأن دخول الجنة معروف بالصبر على ما يبتلى به المكلف ، ثم ذكر الإنفاق على من ذكر ، فهو جهاد النفس بالمال ، انتقل إلى أعلا منه وهو الجهاد الذي يستقيم به الدين ، وفيه الصبر على بذل المال والنفس . الثوري
( وهو كره لكم ) ، أي : مكروه ، فهو من باب النقض بمعنى المنقوض ، أو : ذو كره إذا أريد به المصدر ، فهو على حذف مضاف ، أو لمبالغة الناس في كراهة القتال ، جعل نفس الكراهة . والظاهر عود " هو " على القتال ، ويحتمل أن يعود على المصدر المفهوم من " كتب " أي : وكتبه وفرضه شاق عليكم ، والجملة حال ، أي : وهو مكروه لكم بالطبيعة ، أو مكروه قبل ورود الأمر . وقرأ السلمي : كره بفتح الكاف ، وقد تقدم ذكر مدلول الكره في الكلام على المفردات . وقال في توجيه قراءة الزمخشري السلمي : يجوز أن يكون بمعنى المضموم : كالضعف والضعف ، تريد المصدر ، قال : ويجوز أن يكون بمعنى الإكراه على سبيل المجاز ، كأنهم أكرهوا عليه لشدة كراهته لهم ومشقته عليهم ، ومنه قوله تعالى : ( حملته أمه كرها ووضعته كرها ) . انتهى كلامه . وكون كره بمعنى الإكراه ، وهو أن يكون الثلاثي مصدرا للرباعي ، هو لا ينقاس ، فإن روي استعمال ذلك عن العرب استعملناه .