( ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ) قال ابن عباس والبراء وأنس : فأعلم تعالى أن الذم [ ص: 16 ] والجناح إنما يتعلق بفعل المعاصي ، والذين ماتوا قبل التحريم ليسوا بعاصين . والظاهر من سبب النزول; أن اللفظ عام ، ومعناه الخصوص . وقيل : هي عامة ، والمعنى أنه لا حرج على المؤمن فيما طعم من المستلذات إذا ما اتقى ما حرم الله منها . وقضية من شربها قبل التحريم من صور العموم ، وهذه الآية شبيهة بآية تحويل القبلة حين سألوا عمن مات على القبلة الأولى ، فنزلت ( لما نزل تحريم الخمر قال قوم : كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر ؟ فنزلت وما كان الله ليضيع إيمانكم ) ، و ( فيما طعموا ) قيل : من الخمر . والطعم حقيقة في المأكولات ، مجاز في المشروب ، وفي اليوم قيل : مما أكلوه من القمار فيكون فيه حقيقة ، وقيل : منهما وعنى بالطعم الذوق ، وهو قدر مشترك بينهما ، وكررت هذه الجمل على سبيل المبالغة والتوكيد في هذه الصفات ، ولا ينافي التأكيد العطف بثم ، فهو نظير قوله ( كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ) وذهب قوم إلى تباين هذه الجمل بحسب ما قدروا من متعلقات الأفعال ، فالمعنى إذا ما اتقوا الشرك والكبائر وآمنوا الإيمان الكامل وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا ثبتوا وداموا على الحالة المذكورة ، ثم اتقوا وأحسنوا انتهوا في التقوى إلى امتثال ما ليس بفرض من النوافل من الصلاة والصدقة أو غير ذلك; وهو الإحسان . وإلى قريب من هذا ذهب ، قال إذا ما اتقوا ما حرم عليهم وآمنوا وثبتوا على الإيمان والعمل الصالح وازدادوا ( الزمخشري ثم اتقوا وآمنوا ) ثبتوا على التقوى والإيمان ( ثم اتقوا وأحسنوا ) ثبتوا على اتقاء المعاصي وأحسنوا أعمالهم ، وأحسنوا إلى الناس واسوهم بما رزقهم الله من الطيبات انتهى . وقيل : الرتبة الأولى لماضي الزمان ، والثانية للحال ، والثالثة للاستقبال ، وقيل : الاتقاء الأول; هو في الشرك والتزام الشرع ، والثاني في الكبائر ، والثالث في الصغائر ، وقيل : غير هذا مما لا إشعار للفظ به . ومعنى الآية ثناء على أولئك الذين كانوا على هذه الصفة ، وحمد لهم في الإيمان والتقوى والإحسان ، إذ كانت الخمر غير محرمة إذ ذاك ، فالإثم مرفوع عمن التبس بالمباح إذا كان مؤمنا متقيا محسنا ، وإن كان يئول ذلك المباح إلى التحريم ، فتحريمه بعد ذلك لا يضر المؤمن المتقي المحسن ، وتقدم شرح الإحسان ، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فسره في حديث سؤال جبريل ، فيجب أن لا يتعدى تفسيره .