( لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير ) . لما ادعت النصارى في عيسى وأمه الألوهية ، اقتضت الدعوى أن يكونا مالكين قادرين ، فرد الله عليهم . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون مما يقال يوم القيامة ، ويحتمل أن يكون مقطوعا من ذلك مخاطبا به محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، وأمته انتهى . وقيل : هذا جواب سائل من يعطيهم ( ذلك الفوز العظيم ) فقيل : الذي له ملك السماوات والأرض . وقال : فإن قلت : ما في السماوات والأرض العقلاء وغيرهم ، فهل غلب العقلاء ، فقيل : ومن فيهن ، قلت : ( ما ) تتناول الأجناس كلها تناولا عاما ، ألا تراك تقول : إذا رأيت شبحا من بعيد ما هو قبل أن تعرف أعاقل هو أم غير عاقل ؟ فكان أولى بإرادة العموم انتهى كلامه . وقال الزمخشري أبو عبد الله الرازي : غلب غير العقلاء تنبيها على أن كل المخلوقات مسخرين في قبضة قهره وقدره وقضائه وقدرته ، وهم في ذلك التسخير كالجمادات التي لا قدرة لها ، وكالبهائم التي لا عقل لها ، فعلم الكل بالنسبة إلى علمه كلا علم ، وقدرة الكل بالنسبة إلى قدرته كلا قدرة . وقال أيضا : مفتتح السورة ، [ ص: 65 ] كان بذكر العهد المنعقد بين الربوبية ، والعبودية ، فيشرع العبد في العبودية ، وينتهي إلى الفناء المحض عن نفسه بالكلية ، فالأول هو الشريعة ، وهو البداية ، والآخر هو الحقيقة ، وهو النهاية ، فمفتتح السورة من الشريعة ، ومختتمها بذكر الله عز وجل وكبريائه تعالى وعزته وقهره وعلوه ، وذلك هو الوصول إلى مقام الحقيقة ، فما أحسن المناسبة بين ذلك المفتتح وهذا المختتم انتهى كلامه . وليست الحقيقة والشريعة والتمييز بينهما ، لا من كلام الصحابة ، رضي الله عنهم ، ولا من كلام التابعين ، وإنما ذلك من ألفاظ الصوفية واصطلاحاتهم ، ولهم في ذلك كلام طويل ، والله أعلم بالصواب .