الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( انظر كيف كذبوا على أنفسهم ) . الخطاب للرسول ، عليه السلام ، والنظر قلبي . و ( كيف ) منصوب بـ ( كذبوا ) . والجملة في موضع نصب بالنظر; لأن ( انظر ) معلقة . و ( كذبوا ) ماض ، وهو في أمر لم يقع ، لكنه حكاية عن يوم القيامة ، ولا إشكال في استعمال الماضي فيها موضع المستقبل; تحقيقا لوقوعه ولا بد . قال الزمخشري فإن قلت : كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور ؟ على أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته ، قلت : الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشا ، ألا تراهم يقولون ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ) ؟ وقد أيقنوا بالخلود ، ولم يشكوا فيه ، ( ونادوا يامالك ليقض علينا ربك ) ، وقد علموا أنه لا يقضي عليهم . وأما قول من يقول معنى ( ما كنا مشركين ) عند أنفسنا ، أو ما علمنا أنا على خطأ في معتقدنا ، وحمل قوله : ( انظر كيف كذبوا على أنفسهم ) يعني في الدنيا ، فتحمل وتعسف وتحريف لأفصح الكلام إلى ما هو عي وإفحام; لأن المعنى الذي ذهبوا إليه ليس هذا الكلام بمترجم عنه ، ولا بمنطبق عليه ، وهو ناب عنه أشد النبو ، وما أدري ما يصنع من ذلك تفسيره بقوله : ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ) بعد قوله : ( ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) فشبه كذبهم في الآخرة بكذبهم في الدنيا انتهى قول الزمخشري . وأما قول من يقول ، فهو إشارة إلى أبي علي الجبائي والقاضي عبد الجبار ومن وافقهما; أن أهل القيامة لا يجوز إقدامهم على الكذب ، واستدلوا بأشياء تئول إلى مسألة القبح والحسن ، وبناء ما قالوه عليها ، ذكرها أبو عبد الله الرازي في تفسيره ، فتطالع هناك ، إذ مسألة التقبيح والتحسين خالفوا فيها أهل السنة . وجمهور المفسرين يقولون : إن الكفار يكذبون في الآخرة ، وظواهر القرآن دالة على ذلك . وقد خالف الزمخشري هنا أصحابه المعتزلة ، ووافق أهل السنة .

( وضل عنهم ما كانوا يفترون ) . يحتمل أن تكون ( ما ) مصدرية ، وإليه ذهب ابن عطية قال : معناه ذهب افتراؤهم في الدنيا وكفرهم ، بادعائهم لله الشركاء . وقيل : من اليمين الفاجرة في الدار الآخرة . وقيل : عزب عنهم افتراؤهم للحيرة التي لحقتهم ، ويحتمل أن تكون بمعنى الذي ، وإليه ذهب الزمخشري ، قال : وغاب ( عنهم ما كانوا يفترون ) ألوهيته وشفاعته ، وهو معنى قول الحسن وأبي علي ، قالا : لم يغن عنهم شيئا ما كانوا يعبدون من الأصنام في الدنيا . وقيل : هو قولهم ما كنا ( نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) فذهب عنهم حيث علموا أن لا تقريب منهم ، ويحتمل أن يكون ( وضل ) عطف على كذبوا ، فيدخل في خبر ( انظر ) ، ويحتمل أن يكون إخبارا مستأنفا ، فلا يدخل في حيزه ، ولا يتسلط النظر عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية