( وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا ) . قال : ( وقالوا ) عطف على ( لعادوا ) أي لو ردوا لكفروا ، ولقالوا ( إن هي إلا حياتنا الدنيا ) كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة ، ويجوز أن يعطف على قوله : ( وإنهم لكاذبون ) على معنى وإنهم لقوم كاذبون في كل شيء ، وهم الذين ( الزمخشري وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا ) ، وكفى به دليلا على كذبهم انتهى . والقول الأول الذي قدمه من كونه داخلا في جواب ( لو ) ، هو قول ابن زيد . وقال ابن عطية : وتوقيف الله لهم في الآية بعدها على البعث والإشارة إليه في قوله : ( أليس هذا بالحق ) رد على هذا التأويل انتهى . ولا يرده ما ذكره ابن عطية ; لاختلاف الموطنين; لأن إقرارهم بحقية البعث ، هو في الآخرة ، وإنكارهم ذلك هو في الدنيا على تقدير عودهم ، وهو إنكار عناد ، فإقرارهم به في الآخرة ، لا ينافي إنكارهم له في الدنيا على تقدير العود ، ألا ترى إلى قوله : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ) ؟ وقول أبي جهل . وقد علم أن ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حق ما معناه أنه لا يؤمن به أبدا ، هذا وذلك [ ص: 105 ] في موطن واحد ، وهي الدنيا ، والقول الثاني الذي ذكره ، هو قول الجمهور ، وهو أن يكون قوله : ( الزمخشري وإنهم لكاذبون ) كلاما منقطعا عما قبله ، وقالوا : إخبار عن ما صدر منهم في حالة الدنيا . قال مقاتل : لما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كفار مكة بالبعث ، قالوا : هذا ، ومعنى الآية إنكار الحشر والمعاد . وبين في هذه الآية أن الذي كانوا يخافونه ، هو الحشر والمعاد على بعض أقوال المفسرين المتقدمة . و ( إن ) هنا نافية . ولم يكتفوا بالإخبار عن المحصور ، فيقولوا هي حياتنا الدنيا حتى أتوا بالنفي والحصر; أي لا حياة إلا هذه الحياة الدنيا فقط ، وهي ضمير الحياة ، وفسره الخبر بعده . والتقدير وما الحياة إلا حياتنا الدنيا ، هكذا قال بعض أصحابنا أنه يتقدم الضمير ، ولا ينوى به التأخير ، إذا جعل الظاهر خبرا للمبتدأ المضمر ، وعده مع الضمير المجرور بـ ( رب ) ، نحو : ربه رجلا أكرمت ، والمرفوع بـ ( نعم ) على مذهب البصريين ، نحو نعم رجل زيد ، أو بأول المتنازعين على مذهب ، نحو ضرباني وضربت الزيدين ، أو أبدل منه المفسر على مذهب سيبويه الأخفش ، نحو مررت به زيد ، قال : أو جعل خبره ، ومثله بقوله : ( إن هي إلا حياتنا الدنيا ) التقديران الحياة ، إلا حياتنا الدنيا ، فإظهار الخبر يدل عليها ويبينها ، ولم يذكر غيره من أصحابنا هذا القسم ، أو كان ضمير الشأن عند البصريين ، وضمير المجهول عند الكوفيين ، نحو هذا زيد قائم ، خلافا لابن الطراوة في إنكار هذا القسم . وتوضيح هذه المضمرات مذكور في كتب النحو . والدنيا صفة لقوله : ( حياتنا ) ، ولم يؤت بها على أنها صفة تزيل اشتراكا عارضا في معرفة; لأنهم لا يقرون بأن ثم حياة غير دنيا ، بل ذلك وصف على سبيل التوكيد ، إذ لا حياة عندهم إلا هذه الحياة .
( وما نحن بمبعوثين ) . لما دل الكلام على نفي البعث بما تضمنه من الحصر ، صرحوا بالنفي المحض الدال على عدم البعث بالمنطوق ، وأكدوا ذلك بالباء الداخلة في الخبر على سبيل المبالغة في الإنكار ، وهذا يدل على أن هذه الآية في مشركي العرب ، ومن وافقهم في إنكار البعث .