( وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ) أي : اختلقوا وافتروا ، ويقال خرق الإفك وخلقه واختلقه واخترقه واقتلعه وافتراه وخرصه إذا كذب فيه ، قاله الفراء ، وقال : ويجوز أن يكون من خرق الثوب إذا شقه ، أي : اشتقوا له بنين وبنات ، وقال الزمخشري قتادة ومجاهد وابن زيد : ( خرقوا ) كذبوا ، وأشار بقوله : ( بنين ) إلى أهل الكتابين في وابن جريج المسيح وعزير ، ( وبنات ) إلى قريش في الملائكة ، وقرأ نافع : ( وخرقوا ) بتشديد الراء ، وباقي السبعة بتخفيفها ، وقرأ ابن عمر : وحرفوا بالحاء المهملة والفاء ، وشدد وابن عباس الراء ، وخففها ابن عمر بمعنى وزوروا له أولادا ; لأن المزور محرف مغير للحق إلى الباطل ، ومعنى ( ابن عباس بغير علم ) من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه من خطأ وصواب ، ولكن رميا بقول عن عمى وجهالة من غير فكر وروية ، وفيه نص على قبح تقحمهم المجهلة وافترائهم الباطل .
( سبحانه وتعالى عما يصفون ) نزه ذاته عن تجويز المستحيلات عليه ، والتعالي هنا هو الارتفاع المجازي ، ومعناه أنه متقدس في ذاته عن هذه الصفات ، قيل : وبين ( سبحانه وتعالى ) فرق من جهة أن سبحان مضاف إليه تعالى ، فهو من حيث المعنى منزه ، وتعالى فيه إسناد التعالي إليه على جهة الفاعلية ، فهو راجع إلى صفات الذات سواء سبحه أحد أم لم يسبحه .
( بديع السماوات والأرض ) تقدم تفسيره في البقرة .
( أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ) أي : كيف يكون له ولد وهذه حاله ؟ أي إن الولد إنما يكون من الزوجة ، وهو لا زوجة له ولا ولد ، وقرأ النخعي : ولم يكن بالياء ، ووجه على أن فيه ضميرا يعود على الله أو على أن فيه ضمير الشأن ، والجملة في هذين الوجهين في موضع خبر ( تكن ) ، أو على ارتفاع ( صاحبة ) بتكن ، وذكر للفصل بين الفعل والفاعل ، كقوله :
لقد ولد الأخيطل أم سوء وحضر للقاضي امرأة .
وقال ابن عطية : وتذكيرها وأخواتها مع تأنيث اسمها أسهل من ذلك في سائر الأفعال . انتهى . ولا أعرف هذا عن النحويين ، ولم يفرقوا بين كان وغيرها ، والظاهر ارتفاع ( بديع ) على أنه خبر مبتدأ ، أي : هو بديع فيكون الكلام جملة واستقلال الجملة بعدها ، وجوزوا أن يكون بديع مبتدأ والجملة [ ص: 195 ] بعده خبره ، فيكون انتفاء الولدية من حيث المعنى بجهتين ، إحداهما : انتفاء الصاحبة ، والأخرى : كونه بديعا أي : عديم المثل ومبدعا لما خلق ، ومن كان بهذه الصفة لا يمكن أن يكون له ولد ; لأن تقدير الولدية وتقدير الإبداع ينافي الولدية ، وهذه الآية رد على الكفار بقياس الغائب على الشاهد ، وقرأ المنصور : بديع بالجر ، ردا على قوله : ( وجعلوا لله ) أو على ( سبحانه ) . وقرأ صالح الشامي : بديع بالنصب على المدح .
( وخلق كل شيء ) قيل : هذا عموم معناه الخصوص أي : وخلق العالم ، فلا تدخل فيه صفاته ولا ذاته ، كقوله : ( ورحمتي وسعت كل شيء ) ، ولا تسع إبليس ولا من مات كافرا ، و ( تدمر كل شيء ) ولم تدمر السماوات والأرض ، قال ابن عطية : ليس هو عموما مخصصا على ما ذهب إليه قوم ; لأن العموم المخصص هو أن يتناول العموم شيئا ثم يخرجه بالتخصيص ، وهذا لم يتناول قط هذا الذي ذكرناه ، وإنما هو بمنزلة قول الإنسان : قتلت كل فارس وأفحمت كل خصم ، فلم يدخل القاتل قط في هذا العموم الظاهر من لفظه ، قال : وفيه إبطال الولد من ثلاثة أوجه ، أحدها : أن مبتدع السماوات والأرض ، وهي أجسام عظيمة ، لا يستقيم أن يوصف بالولادة ; لأن الولادة من صفات الأجسام ، ومخترع الأجسام لا يكون جسما حتى يكون والدا ، والثاني : أن الولادة لا تكون إلا بين زوجين من جنس واحد ، وهو تعالى متعال عن مجانس ، فلم يصح أن تكون له صاحبة فلم تصح الولادة ، والثالث : أنه ما من شيء إلا وهو خالقه والعالم به ، ومن كان بهذه الصفة كان غنيا عن كل شيء ، والولد إنما يطلبه المحتاج . الزمخشري
( وهو بكل شيء عليم ) قال ابن عطية : هذا عموم على الإطلاق ; لأن الله - تعالى - يعلم كل شيء ، وقال التبريزي : ( بكل شيء ) من الواجب والممكن والممتنع .