كما خط الكتاب بكف يوما يهودي يقارب أو يزيل
فكيف بالمفعول في أفصح كلام ، ولكن وجهها على ضعفها أنها وردت شاذة في بيت أنشده : أبو الحسن الأخفش
فزججته بمزجة زج القلوص أبي مزادة
وفي بيت الطرماح وهو قوله :
[ ص: 230 ]
يطفن بحوزي المراتع لم يرع بواديه من قرع القسي الكنائن
انتهى كلام ابن عطية ، ولا التفات أيضا إلى قول : إن الفصل بينهما ، يعني بين المضاف والمضاف إليه فشا ، لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر كان سمجا مردودا ، فكيف به في القرآن المعجز لحسن نظمه وجزالته ؟ والذي حمله على ذلك أن رأى في بعض المصاحف ( شركائهم ) مكتوبا بالياء ، ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء لأن الأولاد ( الزمخشري شركاؤهم ) في أموالهم ، لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب ، انتهى ما قاله . وأعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة موجود نظيرها في لسان العرب في غير ما بيت ، وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقا وغربا ، وقد اعتمد المسلمون على نقلهم لضبطهم ومعرفتهم وديانتهم ، ولا التفات أيضا لقول أبي علي الفارسي : هذا قبيح قليل في الاستعمال ، ولو عدل عنها يعني ابن عامر كان أولى ; لأنهم لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف ، وإنما أجازوه في الشعر . انتهى . وإذا كانوا قد فصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالجملة في قول بعض العرب : هو غلام إن شاء الله أخيك ، فالفصل بالمفرد أسهل ، وقد جاء الفصل في اسم الفاعل في الاختيار . قرأ بعض السلف : " مخلف وعده رسله " بنصب وعده وخفض رسله ، وقد استعمل أبو الطيب الفصل بين المصدر المضاف إلى الفاعل بالمفعول اتباعا لما ورد عن العرب ، فقال :
بعثت إليه من لساني حديقة سقاها الحجا سقي الرياض السحائب
وقال أبو الفتح : إذا اتفق كل شيء من ذلك نظر في حال العربي وما جاء به ، فإن كان فصيحا وكان ما أورده يقبله القياس فالأولى أن يحسن به الظن ; لأنه يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها . وقال : ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله ، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير ، ونحوه ما روى أبو عمرو بن العلاء عن ابن سيرين أنه حفظ أقل ذلك وذهب عنهم كثيره ، يعني الشعر في حكاية فيها طول . وقال عمر بن الخطاب أبو الفتح : فإذا كان الأمر كذلك لم نقطع على الفصيح إذا سمع منه ما يخالف الجمهور بالخطأ ، انتهى ملخصا مقتصرا على بعض ما قاله . وقرأ بعض أهل الشام ورويت عن ابن عامر : ( زين ) بكسر الزاي وسكون الياء على القراءة المتقدمة من الفصل بالمفعول ، ومعنى ( ليردوهم ) ليهلكوهم من الردى وهو الهلاك ، ( وليلبسوا ) ليخلطوا ، و ( دينهم ) ما كانوا عليه من دين إسماعيل حتى زلوا عنه إلى الشرك . وقيل ( دينهم ) الذي وجب أن يكونوا عليه . وقيل : معناه وليوقعوهم في دين ملتبس . وقرأ النخعي : ( وليلبسوا ) بفتح الياء . قال أبو الفتح : استعارة من اللباس عبارة عن شدة المخالطة ، واللام متعلقة بـ ( زين ) . وقال : إن كان التزيين من الشياطين فهي على حقيقة التعليل ، وإن كان من السدنة فعلى معنى الصيرورة . الزمخشري
( ولو شاء الله ما فعلوه ) الظاهر عود الضمير على القتل لأنه المصرح به والمحدث عنه ، والواو في ( فعلوه ) عائد على الكثير . وقيل : الهاء للتزيين والواو للشركاء . وقيل : الهاء للبس ، وهذا بعيد . وقيل : لجميع ذلك إن جعلت الضمير جار مجرى الإشارة ، وهذه الجملة رد على من زعم أنه يخلق أفعاله . وقال : ( الزمخشري ولو شاء الله ) مشيئة قسر . انتهى . وهو على مذهبه الاعتزالي .
( فذرهم وما يفترون ) أي : ما يختلقون من الإفك على الله [ ص: 231 ] والأحكام التي يشرعونها ، وهو أمر تهديد ووعيد .