( قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) الظاهر أن الباء للقسم وما مصدرية ولذلك تلقيت الآية بقوله : لأقعدن ، قال [ ص: 275 ] وإنما أقسم بالإغواء ؛ لأنه كان تكليفا من أحسن أفعال الله لكونه تعريضا لسعادة الأبد ، فكان جديرا أن يقسم به . انتهى . وقيل : الباء للسبب ، أي : بسبب إغوائك إياي وعبر الزمخشري ابن عطية عنها بأن يراد بها معنى المجازاة قال : كما تقول فبإكرامك لي يا زيد لأكرمنك قال ، وهذا أليق بالقصة ، قال ، فإن قلت : بم تعلقت الباء فإن تعليقها بلأقعدن تصد عنه لام القسم لا تقول والله بزيد لأمرن قلت تعلقت بفعل القسم المحذوف ، تقديره : ( الزمخشري فبما أغويتني ) أقسم بالله ( لأقعدن ) ، أي : بسبب إغوائك أقسم . انتهى . وما ذكره من أن اللام تصد عن تعلق الباء بلأقعدن ليس حكما مجمعا عليه ، بل في ذلك خلاف ، وقيل : ما استفهامية كأنه استفهم عن السبب الذي أغواه وقال بأي شيء أغويتني ، ثم ابتدأه مقسما فقال : لأقعدن لهم ، وضعف بإثبات الألف في ما الاستفهامية ، وذلك شاذ ، أو ضرورة نحو قولهم عما تسأل ، فهذا شاذ ، والضرورة كقوله :
على ما قام يشتمني لئيم
ومعنى ( أغويتني ) أضللتني . قاله والأكثرون ، أو لعنتني . قاله ابن عباس الحسن ، أو أهلكتني . قاله ، أو خيبتني . قاله بعضهم ، وقيل : ألقيتني غاويا ، وقيل : سميتني غاويا لتكبري عن السجود لمن أنا خير منه ، وقيل : جعلتني في الغي وهو العذاب ، وقيل : قضيت علي من الأفعال الذميمة ، وقيل : أدخلت علي داء الكبر ، وقال ابن الأنباري : فبسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم ، وهو تكليفه إياه ما وقع به في الغي كما ثبتت الملائكة مع كونهم أفضل منه ومن الزمخشري آدم نفسا ومناصب . وعن الأصم أمرتني بالسجود فحملني الأنف على معصيتك ، والمعنى : فبسبب وقوعي في الغي لأجتهدن في إغوائهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسببهم . انتهى . وهو والأصم فسرا على مذهب الاعتزال في نفي نسبة الإغواء حقيقة ، وهو الإضلال إلى الله وكذلك من فسر ( أغويتني ) معنى ألفيتني غاويا وهو فرار من ذلك ، وقوله في الملائكة إنهم أفضل من آدم نفسا ومناصب هو مذهب المعتزلة ، وقال : قاتل الله محمد بن كعب القرظي القدرية ، لإبليس أعلم بالله منهم ، يريد في أنه علم أن الله يهدي ويضل ، وجاء رجل من كبار الفقهاء يرمى بالقدر فجلس إلى في طاوس المسجد الحرام فقال له : تقوم ، أو تقام فقام الرجل فقيل له : أتقول : هذا الرجل فقيه ، فقال : إبليس أفقه منه قال : رب بما أغويتني ، وهذا يقول أنا أغوي نفسي ، وجعل طاوس هذه الحكاية من تكاذيب المجبرة وذكرها ، ثم قال كلاما قبيحا يوقف عليه في كتابه وعبر بالقعود عن الثبوت في المكان ، والثابت فيه قالوا : وانتصب " صراطك " على إسقاط على . قاله الزمخشري ، وشبهه بقول العرب ضرب زيد الظهر والبطن ، أي : على الظهر والبطن وإسقاط حرف الجر لا ينقاس في مثل هذا . لا يقال قعدت الخشبة تريد قعدت على الخشبة قالوا : أي : على الظرف كما قال الشاعر فيه : الزجاجكما عسل الطريق الثعلب
وهذا أيضا تخريج فيه ضعف ؛ لأن صراطك ظرف مكان مختص ، وكذلك الطريق فلا يتعدى إليه الفعل إلا بواسطة في ، وما جاء خلاف ذلك شاذ ، أو ضرورة وعلى الضرورة أنشدوا :كما عسل الطريق الثعلب
وما ذهب إليه أبو الحسين بن الطراوة من أن الصراط والطريق ظرف مبهم لا مختص ، رده عليه أهل العربية ، والأولى أن يضمن لأقعدن معنى ما يتعدى بنفسه فينتصب الصراط على أنه مفعول به ، والتقدير : لألزمن بقعودي صراطك المستقيم ، وهذا الصراط هو دين الإسلام وهو الموصل إلى الجنة ، ويضعف ما روي عن ابن مسعود أنه طريق وعون بن عبد الله مكة خصوصا على العقبة المعروفة بعقبة الشيطان يضل الناس عن الحج ، ومعنى قعوده أنه يعترض لهم على طريق الإسلام كما يعترض العدو على الطريق ليقطعه على السابلة وفي الحديث : آدم بأطرقه نهاه [ ص: 276 ] عن الإسلام ، وقال : أتترك دين آبائك ، فعصاه وأسلم فنهاه عن الهجرة ، وقال : تدع أهلك وبلدك فعصاه فهاجر فنهاه عن الجهاد ، وقال : تقتل وتترك ولدك ، فعصاه فجاهد ، فله الجنة . إن الشيطان قعد لابن