بدأ الشيء : أنشأه واخترعه ، الجمل : الحيوان المعروف ، وجمعه جمال وأجمل ، ولا يسمى جملا حتى يبلغ أربع سنين ، والجمل : حبل السفينة ، ولغاته تأتي في المركبات . سم الخياط : ثقبه وتضم سين " سم " وتفتح وتكسر ، وكل ثقب في أنف ، أو أذن ، أو غير ذلك ، فالعرب تسميه سما . والخياط : المخيط ، وهما آلتان كإزار ومئزر ولحاف وملحف وقناع ومقنع . الغل : الحقد والإحنة الخفية في النفس ، وجمعها غلال ومنه الغلول أخذ في [ ص: 287 ] خفاء . نعم : حرف يكون تصديقا لإثبات محض ، أو لما تضمنه استفهام ، وكسر عينها لغة لقريش ، وإبدال عينها بالحاء لغة ، ووقوعها جوابا بعد نفي يراد به التقرير نادر . الأعراف : جمع عرف وهو المرتفع من الأرض . قال الشاعر :
كل كناز لحمه نياف كالجبل الموفي على الأعراف
وقال الشماخ :
فظلت بأعراف تعادي كأنها رماح نحاها وجهة الريح راكز
ومنه عرف الفرس وعرف الديك لعلوهما . الستة : رتبة من العدد معروفة وأصلها سدسة فأبدلوا من السين تاء ، ولزم الإبدال ، ثم أدغموا الدال في التاء بعد إبدال الدال بالتاء ، ولزم الإدغام ، وتصغيره سديس وسديسة . الحث : الإعجال حثثت فلانا فأحثث . قاله الليث وقال : فهو حثيث ومحثوث .
( قل أمر ربي بالقسط ) . قال : القسط هنا لا إله إلا الله ؛ لأن أسباب الخير كلها تنشأ عنها ، وقال ابن عباس عطاء ، والسدي : العدل وما يظهر في القول كونه حسنا صوابا ، وقيل الصدق والحق .
( وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين ) . وأقيموا معطوف على ما ينحل إليه المصدر الذي هو القسط ، أي : بأن أقسطوا وأقيموا ، وكما ينحل المصدر لـ ( أن ) والفعل الماضي ، نحو عجبت من قيام زيد وخرج ، أي : من أن قام وخرج ، وأن والمضارع نحو :
للبس عباءة وتقر عيني
أي : لأن ألبس عباءة وتقر عيني ، كذلك ينحل لأن وفعل الأمر ألا ترى أن ( أن ) توصل بفعل الأمر نحو كتبت إليه بأن قم ، كما توصل بالماضي والمضارع بخلاف ما المصدرية ، فإنها لا توصل بفعل الأمر ، وبخلاف كي إذا لم تكن حرفا ، وكانت مصدرية فإنها توصل بالمضارع فقط ، ولما أشكل هذا التخريج جعل ( وأقيموا ) على تقدير وقل فقال : أقيموا فيحتمل قوله وقل أقيموا أن يكون ( أقيموا ) معمولا لهذا الفعل الملفوظ به ، ويحتمل أن يكون قوله : ( وأقيموا ) معطوفا على ( الزمخشري أمر ربي بالقسط ) فيكون معمولا لقل الملفوظ بها أولا ، وقدرها ليبين أنها معطوفة عليها ، وعلى ما خرجناه نحن يكون في خبر معمول أمر ، وقيل : ( وأقيموا ) معطوف على أمر محذوف تقديره فأقبلوا وأقيموا ، وقال ، ابن عباس والضحاك ، واختاره ابن قتيبة : المعنى إذا حضرت الصلاة فصلوا في كل مسجد ، ولا يقل أحدكم أصلي في مسجدي ، وقال مجاهد ، والسدي ، وابن زيد : معناه توجهوا حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة ، وقال الربيع : اجعلوا سجودكم خالصا لله دون غيره ، وقيل : معناه اقصدوا المسجد في وقت كل صلاة أمرا بالجماعة . ذكره الماوردي ، وقيل : معناه إذا كان في جواركم مسجد فأقيموا الجماعة فيه ولا تتجاوزوا إلى غيره . ذكره التبريزي ، وقيل : هو أمر بإحضار النية لله في كل صلاة والقصد نحوه كما تقول : ( وجهت وجهي ) الآية . قاله الربيع أيضا ، وقيل : معناه إباحة الصلاة في كل موضع من الأرض ، أي : حيثما كنتم فهو مسجد لكم يلزمكم عنده الصلاة وإقامة وجوهكم فيه لله وفي الحديث : . وقال جعلت لي الأرض مسجدا [ ص: 288 ] فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل حيث كان : أي : اقصدوا عبادته مستقيمين إليه غير عادلين إلى غيرها عند كل مسجد في وقت كل سجود ، وفي كل مكان سجود وهو الصلاة وادعوه مخلصين له الدين . قيل : الدعاء على بابه أمر به مقرونا بالإخلاص ؛ لأن دعاء من لا يخلص الدين لله لا يجاب ، وقيل : معناه اعبدوا ، وقيل : قولوا لا إله إلا الله . الزمخشري( كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ) . قال ، ابن عباس ومجاهد ، والحسن ، وقتادة : هو إعلام بالبعث ، أي : كما أوجدكم واخترعكم كذلك يعيدكم بعد الموت ولم يذكر غير هذا القول . قال : كما أنشأكم ابتداء يعيدكم احتج عليهم في إنكارهم الإعادة بابتداء الخلق ، والمعنى : أنه يعيدكم فيجازيكم على أعمالكم فأخلصوا له العبادة . انتهى . وهذا قول الزمخشري قال : كما أحياكم في الدنيا يحييكم في الآخرة وليس بعثكم بأشد من ابتداء إنشائكم ، وهذا احتجاج عليهم في إنكارهم البعث . انتهى . وقال الزجاج أيضا ابن عباس ، ، وجابر بن عبد الله وأبو العالية ، ومحمد بن كعب ، وابن جبير والسدي ، ومجاهد أيضا - وروي معناه عن الرسول - أنه إعلام بأن من كتب عليه أنه من أهل الشقاوة والكفر في الدنيا هم أهل ذلك في الآخرة ، وكذلك من كتب له السعادة والإيمان في الدنيا هم أهل ذلك في الآخرة لا يتبدل شيء مما أحكمه ودبره تعالى . ويؤيد هذا المعنى قراءة والفراء أبي : تعودون فريقين فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة . وعلى هذا المعنى يكون الوقف على ( تعودون ) غير حسن ؛ لأن ( فريقا ) نصب على الحال وفريقا عطف عليه ، والجملة من ( هدى ) ومن ( حق ) في موضع الصفة لما قبله ، وقد حذف الضمير من جملة الصفة ، أي : هداهم ، وجوز أبو البقاء أن يكون ( فريقا ) مفعول ( هدى ) ( وفريقا ) مفعول أضل مضمرة ، والجملتان الفعليتان حال ، وهدى على إضمار قد ، أي : تعودون قد هدى فريقا وأضل فريقا ، وعلى المعنى الأول يحسن الوقف على ( تعودون ) ويكون ( فريقا ) مفعولا بهدى ، ويكون ( وفريقا ) منصوبا بإضمار فعل يفسره قوله : ( حق عليهم الضلالة ) ، وقال : ( الزمخشري فريقا هدى ) وهم الذين أسلموا ، أي : وفقهم للإيمان وفريقا حق عليهم الضلالة ، أي : كلمة الضلالة وعلم الله تعالى أنهم يضلون ولا يهتدون ، وانتصاب قوله تعالى : ( وفريقا ) بفعل يفسره ما بعده كأنه قيل وخذل فريقا حق عليهم الضلالة . انتهى ؛ وهي تقادير على مذهب الاعتزال ، وقيل : المعنى تعودون لا ناصر لكم ولا معين لقوله : ( ولقد جئتمونا فرادى ) ، وقال الحسن : كما بدأكم من التراب يعيدكم إلى التراب ، وقيل : معناه كما خلقكم عراة تبعثون عراة ، ومعنى ( حق عليهم الضلالة ) ، أي : حق عليهم من الله ، أو حق عليهم عقوبة الضلالة ، هكذا قدره بعضهم ، وجاء إسناد الهدى إلى الله ولم يجئ مقابله وفريقا أضل ؛ لأن المساق مساق من نهي عن أن يفتنه الشيطان وإخبار أن الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ، وأن الله لا يأمر بالفحشاء وأمر بالقسط وإقامة الصلاة فناسب هذا المساق أن لا يسند إليه تعالى الضلال ، وإن كان تعالى هو الهادي ، وفاعل الضلالة فكذلك عدل إلى قوله : ( حق عليهم الضلالة ) .
( إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) ، أي : إن الفريق الضال ( اتخذوا الشياطين أولياء ) أنصارا وأعوانا يتولونهم وينتصرون بهم كقول بعضهم : اعل هبل اعل هبل ، والظاهر أن المراد حقيقة الشياطين فهم يعينونهم على كفرهم والضالون يتولونهم بانقيادهم إلى وسوستهم ، وقيل : الشياطين أحبارهم وكبراؤهم ، قال : وهذه الآية دليل على خطأ قول من زعم أن الله تعالى لا يعذب أحدا على معصية ركبها ، أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها على علم منه بموضع الصواب . انتهى . ووجه الدلالة قوله : ( الطبري ويحسبون ) ، والمحسبة الظن لا العلم ، وقرأ العباس بن الفضل ، وسهل بن شعيب ، [ ص: 289 ] وعيسى بن عمر : أنهم اتخذوا . بفتح الهمزة وهو تعليل لحق الضلالة عليهم ، والعكس يحتمل التعليل من حيث المعنى ، وقال : أي : تولوهم بالطاعة فيما أمروهم به ، وهذا دليل على أن علم الله تعالى لا أثر له في ضلالهم ، وأنهم هم الضالون باختيارهم وتوليهم الشياطين دون الله تعالى . انتهى . وهو على طريقة الاعتزال . الزمخشري