شربت الإثم حتى زل عقلي
وهو بيت مصنوع مختلق وإن صح فهو على حذف مضاف ، أي : موجب الإثم ، ولا يدل قول ، ابن عباس والحسن ( الإثم ) الخمر على أنه من أسمائها إذ يكون ذلك من إطلاق المسبب على السبب ، وأنكر أبو العباس أن يكون الإثم من أسماء الخمر وقال الفضل : الإثم الخمر ، وأنشد :نهانا رسول الله أن نقرب الخنا وأن نشرب الإثم الذي يوجب الوزرا
وأنشد أيضا : الأصمعي
ورحت حزينا ذاهل العقل بعدهم كأني شربت الإثم أو مسني خبل
قال : وقد تسمى الخمر إثما ، وأنشد :
شربت الإثم حتى زل عقلي
وقال : ابن عباس : البغي الاستطالة ، وقال والفراء الحسن : السكر من كل شراب ، وقال ثعلب : تكلم الرجل في الرجل بغير الحق إلا أن ينتصر منه بحق ، وقيل : الظلم والكبر . قاله ، وقال وأفردوه بالذكر كما قال تعالى : ( الزمخشري وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ) . وقال ابن عطية : ( البغي ) التعدي وتجاوز الحد مبتدئا كان ، أو منتصرا ، وقوله : ( بغير الحق ) زيادة بيان وليس يتصور بغي بحق ؛ لأن ما كان بحق لا يسمى بغيا ، وتقدم تفسير ( ما لم ينزل به سلطانا ) في الأنعام ، وقال فيه تهكم ؛ لأنه لا يجوز أن ينزل برهانا بأن يشرك به غيره ما لا تعلمون من تحريم البحائر وغيرها ، وقال الزمخشري : أراد بذلك أن الملائكة بنات الله ، وقيل : قولهم أنه حرم عليهم مآكل وملابس ومشارب في الإحرام من قبل أنفسهم . ابن عباس( ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) هذا وعيد لأهل مكة بالعذاب النازل في أجل معلوم عند الله كما نزل بالأمم ، أي : أجل مؤقت لمجيء العذاب إذا خالفوا أمر ربهم ، فأنتم أيتها الأمة كذلك ، [ ص: 293 ] وقيل : الأجل هنا أجل الدنيا ، التقدير للأمم كلها أجل ، أي : يقدمون فيه على ما قدموا من عمل ، وقيل : الأجل مدة العمر ، والتقدير : ولكل واحد من الأمة عمر ينتهي إليه بقاؤه في الدنيا ، وإذا مات علم ما كان عليه من حق ، أو باطل ، وقال ابن عطية : أي فرقة وجماعة ، وهي لفظة تستعمل في الكثير من الناس ، وقال غيره : والأمة الجماعة قلوا ، أو كثروا ، وقد يطلق على الواحد كقوله في قس بن ساعدة : ، وأفرد الأجل ؛ لأنه اسم جنس ، أو لتقارب أعمال أهل كل عصر ، أو لكون التقدير : لكل واحد من أمة ، وقرأ يبعث يوم القيامة أمة وحده الحسن ، : فإذا جاء آجالهم ، بالجمع ، وقال : ساعة ؛ لأنها أقل الأوقات في استعمال الناس ، يقول المستعجل لصاحبه في ساعة يريد في أقصر وقت وأقربه . قاله وابن سيرين ، وقال الزمخشري ابن عطية : لفظ عني به الجزء القليل من الزمان ، والمراد جمع أجزائه . انتهى . والمضارع المنفي بلا إذا وقع في الظاهر جوابا لإذا يجوز أن يتلقى بفاء الجزاء ، ويجوز أن لا يتلقى بها وينبغي أن يعتقد أن بين الفاء والفعل مبتدأ محذوفا ، وتكون الجملة إذ ذاك اسمية ، والجملة الاسمية إذا وقعت جوابا لإذا فلا بد فيها من الفاء ، أو إذا الفجائية ، قال بعضهم : ودخلت الفاء على إذا حيث وقع إلا في يونس ؛ لأنها عطفت جملة على جملة بينهما اتصال وتعقيب فكان الموضع موضع الفاء ، وما في يونس يأتي في موضعه إن شاء الله . انتهى . وقال الحوفي : ( ولا يستقدمون ) معطوف على ( لا يستأخرون ) . انتهى . وهذا لا يمكن ؛ لأن إذا شرطية ، فالذي يترتب عليها إنما هو مستقبل ولا يترتب على مجيء الأجل في المستقبل إلا مستقبل ، وذلك يتصور في انتفاء الاستئخار لا في انتفاء الاستقدام ؛ لأن الاستقدام سابق على مجيء الأجل في الاستقبال ، فيصير نظير قولك إذا قمت في المستقبل لم يتقدم قيامك في الماضي ، ومعلوم أنه إذا قام في المستقبل لم يتقدم قيامه هذا في الماضي ، وهذا شبيه بقول زهير :
بدا لي أني لست مدرك ما مضى ولا سابقا شيئا إذا كان جائيا
ومعلوم أن الشيء إذا كان جائيا إليه لا يسبقه ، والذي تخرج عليه الآية أن قوله : ( ولا يستقدمون ) منقطع من الجواب على سبيل استئناف إخبار ، أي : لا يستقدمون الأجل ، أي : لا يسبقونه ، وصار معنى الآية أنهم لا يسبقون الأجل ولا يتأخرون عنه .
( يابني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) . هذا الخطاب لبني آدم . قيل : هو في الأول ، وقيل : هو مراعى به وقت الإنزال ، وجاء بصورة الاستقبال لتقوى الإشارة بصحة النبوة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وما في إما تأكيد ، قال ابن عطية : وإذا لم يكن ما لم يجز دخول النون الثقيلة . انتهى . وبعض النحويين يجيز ذلك وجواب الشرط ( فمن اتقى ) فيحتمل أن تكون من شرطية ، وجوابه ( فلا خوف ) وتكون هذه الجملة الشرطية مستقلة بجواب الشرط الأول من جهة اللفظ ، ويحتمل أن تكون من موصولة ، فتكون هذه الجملة والتي بعدها من قوله : ( والذين كذبوا ) مجموعهما هو جواب الشرط ، وكأنه قصد بالكلام التقسيم وجعل القسمان جوابا للشرط ، أي : ( إما يأتينكم ) فالمتقون لا خوف عليهم والمكذبون أصحاب النار فثمرة إتيان الرسل وفائدته هذا ، وتضمن قوله : ( فمن اتقى وأصلح ) سبق الإيمان ، إذ التقوى والإصلاح هما ناشئان عنه وجاء في قسمه ( والذين كذبوا ) والتكذيب هو بدو الشقاوة إذ لا ينشأ عنه إلا الانهماك والإفساد وقال ، بل الإصلاح بالاستكبار ؛ لأن إصلاح العمل من نتيجة التقوى ، والاستكبار من نتيجة التكذيب ، وهو التعاظم فلم يكونوا ليتبعوا الرسل فيما جاءوا به ولا يقتدوا بما أمروا به ؛ لأن من كذب بالشيء نأى بنفسه عن اتباعه ، وقال ابن عطية : هاتان حالتان تعم جميع من [ ص: 294 ] يصد عن رسالة الرسول إما أن يكذب بحسب اعتقاده أنه كذب ، وإما أن يستكبر فيكذب ، وإن كان غير مصمم في اعتقاده على التكذيب ، وهذا نحو : الكفر عناد . انتهى . وتضمنت الجملتان حذف رابط ، وتقديره : فمن اتقى وأصلح منكم ، والذين كذبوا منكم ، وتقدم تفسير ( فلا خوف ) و ( أولئك أصحاب النار ) الجملتان ، وقرأ أبي إما تأتينكم بالتاء على تأنيث الجماعة و ( ، والأعرج يقصون ) محمول على المعنى إذ ذاك إذ لو حمل على اللفظ لكان تقص .
( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ) لما ذكر المكذبين ذكر أسوأ حالا منهم ، وهو من يفتري الكذب على الله وذكر أيضا من كذب بآياته ، قال ، ابن عباس ، وابن جبير ومجاهد : ما كتب لهم من السعادة والشقاوة ، ولا يناسب هذا التفسير الجملة التي بعد هذا ، وقال الحسن : ما كتب لهم من العذاب ، وقال الربيع ، ومحمد بن كعب وابن زيد : ما سبق لهم في أم الكتاب ، وقال أيضا ، ابن عباس ومجاهد أيضا ، وقتادة : ما كتب الحفظة في صحائف الناس من الخير والشر ، فيقال : هذا نصيبهم من ذلك وهو الكفر والمعاصي ، وقال الحكم ، وأبو صالح ما كتب لهم من الأرزاق والأعمار والخير والشر في الدنيا . وقال الضحاك : ما كتب لهم من الثواب والعقاب ، وقال أيضا ، ابن عباس والضحاك أيضا ، ومجاهد ما كتب لهم من الكفر والمعاصي ، وقال الحسن أيضا : ما كتب لهم من الضلالة والهدى ، وقال أيضا : ما كتب لهم من الأعمال . وقال ابن عباس ، ابن عباس ومجاهد ، والضحاك : من الكتاب يراد به من القرآن وحظهم فيه سواد وجوههم يوم القيامة ، وقيل : ما أوجب من حفظ عهودهم إذا أعطوا الجزية . وقال الحسن ، والسدي ، وأبو صالح : من المقرر في اللوح المحفوظ ، وقد تقرر في الشرع أن حظهم فيه العذاب والسخط ، والذي يظهر أن الذي كتب لهم في الدنيا من رزق وأجل ، وغيرهما ينالهم فيها ، ولذلك جاءت التغيية بعد هذا بـ حتى ، وإلى هذا المعنى نحا قال : أي ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال . الزمخشري
( حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ) . تقدم الكلام على ( حتى إذا ) في أوائل الأنعام ، ووقع في التحرير ( حتى ) هنا ليس بغاية ، بل هي ابتداء وجر ، والجملة بعدها في موضع جر ، وهذا وهم ، بل معناهاهنا الغاية والخلاف فيها إذا كانت حرف ابتداء أهي حرف جر ، والجملة بعدها في موضع جر وتتعلق بما قبلها كما تتعلق حروف الجر ، أم ليست حرف جر ولا تتعلق بما قبلها تعلق حروف الجر من حيث المعنى لا من حيث الإعراب ؟ قولان : الأول لابن درستويه ، والثاني للجمهور . وإذا كانت حرف ابتداء ، فهي للغاية ألا تراها في قول الشاعر : ، والزجاج
سريت بهم حتى تكل مطيهم وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
وقول الآخر :
فما زالت القتلى تمج دماءها بدجلة حتى ماء دجلة أشكل
تفيد الغاية ؛ لأن المعنى أنه مد همهم في السير إلى كلال المطي والجياد ومجت الدماء إلى تغيير ماء دجلة . قال : وهي حتى التي يبتدأ بعدها الكلام . انتهى . وقال الزمخشري الحوفي : وحتى غاية متعلقة بينالهم ، فيحتمل قوله أن يريد التعلق الصناعي ، وأن يريد التعلق المعنوي ، والمعنى : أنهم ينالهم حظهم مما كتب لهم إلى أن يأتيهم رسل الموت يقبضون أرواحهم فيسألونهم سؤال توبيخ وتقرير أين [ ص: 295 ] معبوداتكم من دون الله ؟ فيجيبون بأنهم حادوا عنا وأخذوا طريقا غير طريقنا ، أو ضلوا عنا هلكوا واضمحلوا ، والرسل ملك الموت وأعوانه ، ويتوفونهم في موضع الحال ، وكتبت أينما متصلة وكان قياسه كتابتها بالانفصال ؛ لأن ما موصولة كهي في ( إن ما توعدون لآت ) إذ التقدير : أين الآلهة التي كنتم تعبدون ؟ وقيل : معنى ( تدعون ) ، أي : تستغيثونهم لقضاء حوائجكم وما ذكرناه من أن هذه المحاورة بين الملائكة وهؤلاء تكون وقت الموت ، وأن التوفي هو بقبض الأرواح ، هو قول المفسرين ، وقالت فرقة منهم الحسن : ( الرسل ) ملائكة العذاب يوم القيامة ، والمحاورة في ذلك اليوم ومعنى ( يتوفونهم ) يستوفونهم عددا في السوق إلى جهنم ونيل النصيب على هذا إنما هو في الآخرة إذ لو كان في الدنيا لما تحققت الغاية لانقطاع النيل قبلها بمدد كثيرة ، ويحتمل ( وشهدوا ) أن يكون مقطوعا على ( قالوا ) فيكون من جملة جواب السؤال ، ويحتمل أن يكون استئناف إخبار من الله تعالى بإقرارهم على أنفسهم بالكفر ، ولا تعارض بين هذا وبين قوله : ( والله ربنا ما كنا مشركين ) لاحتمال ذلك من طوائف مختلفة ، أو في أوقات ، وجواب سؤالهم ليس مطابقا من جهة اللفظ ؛ لأنه سؤال عن مكان ، وأجيب بفعل وهو مطابق من جهة المعنى إذ تقدير السؤال : ما فعل معبودوكم من دون الله معكم ؟ ( قالوا ضلوا عنا ) .
( قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار ) . أي : يقول الله لهم ، أي : لكفار العرب وهم المفترون الكذب والمكذبون بالآيات وذلك يوم القيامة ، وعبر بالماضي لتحقق وقوعه ، وقوله ذلك على لسان الملائكة ويتعلق ( في أمم ) في الظاهر بـ ادخلوا ، والمعنى : في جملة أمم ، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف فيكون في موضع الحال و ( قد خلت من قبلكم ) ، أي : تقدمتكم في الحياة الدنيا ، أو تقدمتكم ، أي : تقدم دخولها في النار وقدم الجن ؛ لأنهم الأصل في الإغواء والإضلال ودل ذلك على أن عصاة الجن يدخلون النار ، وفي النار متعلق بخلت على أن المعنى تقدم دخولها ، أو بمحذوف وهو صفة لأمم ، أي : في أمم سابقة في الزمان كائنة من الجن والإنس كائنة في النار ، أو بـ " ادخلوا " على تقدير أن تكون في بمعنى مع ، وقد قاله بعض المفسرين فاختلف مدلول في إذ الأولى تفيد الصحبة ، والثانية تفيد الظرفية وإذا اختلف مدلول الحرف جاز أن يتعلق اللفظان بفعل واحد ويكون إذ ذاك ( ادخلوا ) قد تعدى إلى الظرف المختص بفي وهو الأصل وإن كان قد تعدى في موضع آخر بنفسه لا بوساطة في كقوله : وقيل ادخلا النار ( ادخلوا أبواب جهنم ) ويجوز أن تكون في باقية على مدلولها من الظرفية و ( في النار ) كذلك ويتعلقان بلفظ ( ادخلوا ) وذلك على أن يكون ( في النار ) بدل اشتمال كقوله : قتل أصحاب الأخدود النار ، ويجوز أن يتعدى الفعل إلى حرفي جر بمعنى واحد على طريقة البدل .
( كلما دخلت أمة لعنت أختها ) ( كلما ) للتكرار ولا يستوي ذلك في الأمة الأولى ، فاللاحقة تلعن السابقة ، أو يلعن بعض الأمة الداخلة بعضها ، ومعنى ( أختها ) ، أي : في الدين ، والمعنى : كلما دخلت أمة من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان ، وغيرهم من الكفار ، وقال : ( الزمخشري أختها ) التي ضلت بالاقتداء بها . انتهى . ، والمعنى : أن أهل النار يلعن بعضهم بعضا ، ويعادي بعضهم بعضا ، ويكفر بعضهم ببعض ، كما جاء في آيات أخر .
( حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ) [ ص: 296 ] ( حتى ) غاية لما قبلها ، والمعنى : أنهم يدخلون فوجا ففوجا لاعنا بعضهم بعضا إلى انتهاء تداركهم وتلاحقهم في النار واجتماعهم فيها ، وأصل ( اداركوا ) تداركوا أدغمت التاء في الدال فاجتلبت همزة الوصل ، قال ابن عطية : وقرأ أبو عمرو أداركوا بقطع ألف الوصل ، قال أبو الفتح : هذا مشكل ولا يسوغ أن يقطعها ارتجالا فذلك إنما يجيء شاذا في ضرورة الشعر في الاسم أيضا ، لكنه وقف مثل وقفة المستنكر ، ثم ابتدأ فقطع ، وقرأ مجاهد بقطع الألف وسكون الدال ، وفتح الراء بمعنى أدرك بعضهم بعضا ، وقرأ حميد : أدركوا بضم الهمزة وكسر الراء ، أي : أدخلوا في إدراكها ، وقال في قراءة مكي مجاهد : إنها ادركوا بشد الدال المفتوحة وفتح الراء ، قال : وأصلها ادتركوا وزنها افتعلوا ، وقرأ ابن مسعود تداركوا ورويت عن والأعمش أبي عمر . انتهى . وقال أبو البقاء : وقرئ " إذا اداركوا " بألف واحدة ساكنة والدال بعدها مشددة ، وهو جمع بين ساكنين ، وجاز في المنفصل كما جاز في المتصل ، وقد قال بعضهم : اثنا عشر بإثبات الألف وسكون العين . انتهى . ويعني بقوله : كما جاز في المتصل نحو الضالين وجان وأخراهم : الأمة الأخيرة في الزمان التي وجدت ضلالات مقررة مستعملة لأولاهم التي شرعت ذلك وافترت وسلكت سبيل الضلال ابتداء ، أو أخراهم منزلة ورتبة وهم الأتباع والسفلة لأولاهم منزلة ورتبة وهم القادة المتبوعون ، أو أخراهم في الدخول إلى النار وهم الأتباع لأولاهم دخولا ، وهم القادة ، أقوال آخرها لمقاتل ، وقال : آخر أمة لأول أمة ، وأخرى هنا بمعنى آخرة مؤنث آخر ، فمقابل أول لا مؤنث له ، آخر بمعنى غير لقوله : ( ابن عباس وزر أخرى ) واللام في لأولاهم لام السبب ، أي : لأجل أولاهم ؛ لأن خطابهم مع الله لا معهم ( أضلونا ) شرعوا لنا الضلال ، أو جعلونا نضل وحملونا عليه ضعفا زائدا على عذابنا إذ هم كافرون ومسببو كفرنا .
( قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون ) ، أي : لكل من الأخرى والأولى عذاب ، وللأولى عذاب متضاعف زائد إلى غير نهاية وذلك أن العذاب مؤبد ، فكل ألم يعقبه آخر ، وقرأ الجمهور بالتاء على الخطاب للسائلين ، أي : لا تعلمون ما لكل فريق من العذاب ، أو لا تعلمون المقادير وصور العذاب . قيل أو خطاب لأهل الدنيا ، أي : ولكن يا أهل الدنيا لا تعلمون مقدار ذلك ، وقرأ أبو بكر والمفضل عن عاصم بالياء فيحتمل أن يكون إخبارا عن الأمة ويكون الضمير في ( لا يعلمون ) عائدا على الأمة الأخيرة التي طلبت أن يضعف العذاب على أولاها ، ويحتمل أن يكون خبرا عن الطائفتين ، أي : لا يعلم كل فريق قدر ما أعد له من العذاب ، أو قدر ما أعد للفريق الآخر من العذاب ، وروي عن أن الضعف هنا الأفاعي والحيات ، وهذه الجملة رد على أولئك السائلين ، وعدم إسعاف لما طلبوا . ابن مسعود
( وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ) . أي : قالت الطائفة المتبوعة للطائفة المتبعة ، واللام في ( لأخراهم ) لام التبليغ نحو قلت لك اصنع كذا ؛ لأن الخطاب هو مع أخراهم بخلاف اللام ، أي : في ( لأولاهم ) فإنها كما ذكرنا لام السبب ؛ لأن الخطاب هناك مع الله تعالى ، والمعنى : أنتم لا فضل لكم علينا ولم تزدجروا حين جاءتكم الرسل والنذر ، بل دمتم في كفركم ، وتركتم النظر فاستوت حالنا وحالكم قال : أي : قد ثبت أن لا فضل لكم علينا ، وأنا متساوون في استحقاق الضعف ، وقال الزمخشري مجاهد : معنى ( من فضل ) من التخفيف لما قال الله ( لكل ضعف ) قالت الأولى للأخرى لم تبلغوا أملا بأن عذابكم أخف من عذابنا ولا فضلتم بالإسعاف . انتهى . والفاء في " فما " قال : عطفوا هذا الكلام على قول الله تعالى للسفلة ( الزمخشري لكل ضعف ) والذي يظهر أن المعنى انتفاء كون فضل عليهم من السفلة في الدنيا بسبب اتباعهم إياهم وموافقتهم لهم في الكفر ، أي : اتباعكم [ ص: 297 ] إيانا وعدم اتباعكم سواء ؛ لأنكم كنتم في الدنيا أقل عندنا من أن يكون لكم علينا فضل باتباعكم ، بل كفرتم اختيارا لا إنا حملناكم على ذلك إجبارا ، وأن قوله : ( فما ) معطوف على جملة محذوفة بعد القول دل عليها ما سبق من الكلام ، والتقدير : قالت أولاهم لأخراهم ما دعاؤكم الله بأنا أضللناكم وسؤالكم ما سألتم فما كان لكم علينا من فضل بضلالكم ، وأن قوله : ( فذوقوا العذاب ) من كلام الأولى خطابا للأخرى على سبيل التشفي منهم ، وأن ذوق العذاب هو بما كسبت من الآثام لا بسبب دعواكم أنا أضللناكم ، وقيل : ( فذوقوا ) من خطاب الله لجميعهم .