تعد فيكم جزر الجزور رماحنا ويرجعن بالأسياف منكسرات
ضحى : ظرف متصرف إن كان نكرة ، وغير متصرف إذا كان من يوم بعينه ، وهو وقت ارتفاع الشمس إذا طلعت وهو مؤنث وشذوا في تصغيره فقالوا : ضحي بغير تاء التأنيث ، وتقول أتيته ضحى وضحاء ، إذا فتحت الضاد مددت ، الثعبان : ذكر الحيات العظيم ، أخذ من ثعبت بالمكان فجرته بالماء ، والمثعب موضع انفجار الماء ؛ لأن الثعبان يجري كالماء عند الانفجار . الإرجاء : التأخير ، المدينة : معروفة مشتقة من مدن فهي فعيلة ، ومن ذهب إلى أنها مفعلة من دان فقوله ضعيف لإجماع العرب على الهمز في جمعها قالوا مدائن بالهمز ، ولا يحفظ فيه مداين بالياء ، ولا ضرورة تدعو إلى أنها مفعلة ويقطع بأنها فعيلة جمعهم لها على فعل قالوا : مدن ، كما قالوا صحف في صحيفة .
( قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا ) ، أي : الكفار ( الذين استكبروا ) عن الإيمان أقسموا على أحد الأمرين إخراج شعيب وأتباعه ، أو عودتهم في ملتهم ، والقسم يكون على فعل المقسم وفعل غيره سووا بين نفيه ونفي أتباعه وبين العود في الملة ، وهذا يدل على صعوبة مفارقة الوطن إذ قرنوا ذلك بالعود إلى الكفر ، وفي الإخراج والعود طباق معنوي ، وعاد كما تقدم لها استعمالان أحدهما أن تكون بمعنى صار والثاني بمعنى رجع إلى ما كان عليه ، فعلى الأول لا إشكال في قوله ، أو لتعودن إذ صار فعلا مسندا إلى شعيب وأتباعه ولا يدل على أن شعيبا كان في ملتهم وعلى المعنى الثاني يشكل ؛ لأن شعيبا لم يكن في ملتهم قط لكن أتباعهم كانوا فيها ، وأجيب عن هذا بوجوه ، أحدها : أن يراد بعود شعيب في الملة حال سكوته عنهم قبل أن يبعث لا حالة الضلال فإنه كان يخفي دينه إلى أن أوحى الله إليه ، الثاني : أن يكون من باب تغليب حكم الجماعة على الواحد لما عطفوا أتباعه على ضميره في الإخراج سحبوا عليه حكمهم في العود ، وإن كان شعيب بريئا مما كان عليه أتباعه قبل الإيمان ، الثالث : أن رؤساءهم قالوا ذلك على سبيل التلبيس على العامة والإيهام أنه كان منهم .
( قال أولو كنا كارهين ) ، أي : أيقع منكم أحد هذين الأمرين على كل حال حتى في حال كراهيتنا لذلك ، والاستفهام للتوقيف على شنعة المعصية بما أقسموا [ ص: 343 ] عليه من الإخراج عن مواطنهم ظلما ، أو الإقرار بالعود في ملتهم ، قال : الهمزة للاستفهام والواو واو الحال تقديره أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا ، أو مع كوننا كارهين . انتهى . فجعل الاستفهام خاصا بالعود في ملتهم وليس كذلك ، بل الاستفهام هو عن أحد الأمرين الإخراج أو العود ، وجعل الواو واو الحال ، وتقديره أتعيدوننا في حال كراهتنا وليست واو الحال التي يعبر عنها النحويون بواو الحال ، بل هي واو العطف عطفت على حال محذوفة كقوله : الزمخشري ليس المعنى ردوه في حال الصدقة عليه بظلف محرق ، بل المعنى ردوه مصحوبا بالصدقة ولو مصحوبا بظلف محرق ، تقدم لنا إشباع القول في نحو هذا . ردوا السائل ولو بظلف محرق
( قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها ) هذا إخبار مقيد من حيث المعنى بالشرط ، وجواب الشرط محذوف من حيث الصناعة ، وتقديره ( إن عدنا في ملتكم ) فقد افترينا ، وليس قوله : ( قد افترينا على الله كذبا ) هو جواب الشرط إلا على مذهب من يجيز تقديم جواب الشرط على الشرط فيمكن أن يخرج هذا عليه ، وجوزوا في هذه الجملة وجهين أحدهما أن يكون إخبارا مستأنفا ، قال : فيه معنى التعجب ، كأنهم قالوا ما أكذبنا على الله إن عدنا في الكفر بعد الإسلام ؛ لأن المرتد أبلغ في الافتراء من الكافر ، يعني الأصلي ؛ لأن الكافر مفتر على الله الكذب حيث يزعم أن لله ندا ولا ند له ، والمرتد مثله في ذلك وزائد عليه حيث يزعم أنه قد بين له ما خفي عليه من التمييز ما بين الحق والباطل . وقال الزمخشري ابن عطية : الظاهر أنه خبر ، أي : قد كنا نواقع أمرا عظيما في الرجوع إلى الكفر ، والوجه الثاني أن يكون قسما على تقدير حذف اللام ، أي : والله لقد افترينا ذكره ، وأورده الزمخشري ابن عطية احتمالا قال : ويحتمل أن يكون على جهة القسم الذي هو في صيغة الدعاء ، مثل قول الشاعر :
بقيت وفري وانحرفت عن العلا ولقيت أضيافي بوجه عبوس
وكما تقول افتريت على الله أن كلمت فلانا ، ولم ينشد ابن عطية البيت الذي يقيد قوله : بقيت وما بعده بالشرط ، وهو قوله :
إن لم أشن على ابن هند غارة لم تخل يوما من نهاب نفوس
ولما كان أمر الدين هو الأعظم عند المؤمن والمؤثر على أمر الدنيا لم يلتفتوا إلى الإخراج وإن كان أحد الأمرين هو الأعظم عند المؤمن والمؤثر على الكذب أقسم على وقوعه الكفار فقالوا قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم ، وتقدم تفسير العود بالصيرورة ، وتأويله إن كان في معنى الرجوع إلى ما كان الإنسان فيه بالنسبة إلى النبي المعصوم من الكبائر والصغائر .
( وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) ، أي : وما ينبغي ولا يتهيأ لنا أن نعود في ملتكم إلا أن يشاء الله ربنا فنعود فيها ، وهذا الاستثناء على سبيل عذق جميع الأمور بمشيئة الله وإرادته ، وتجويز العود [ ص: 344 ] من المؤمنين إلى ملتهم دون شعيب لعصمته بالنبوة ، فجرى الاستثناء على سبيل تغليب حكم الجمع على الواحد وإن لم يكن ذلك الواحد داخلا في حكم الجمع ، وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد استثناء ما يمكن أن يتعبد الله به المؤمنين مما تفعله الكفرة من القربات ، فلما قال لهم إنا لا نعود في ملتكم ، ثم خشي أن يعبد الله بشيء من أفعال الكفرة فيعارض ملحد بذلك ، ويقول هذه عودة إلى ملتنا استثنى مشيئة الله فيما يمكن أن يتعبد به . انتهى . وهذا الاحتمال لا يصح ؛ لأن قوله : ( بعد إذ نجانا الله منها ) إنما يعني النجاة من الكفرة والمعاصي لا من أعمال البر ، وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد بذلك معنى الاستبعاد كما تقول لا أفعل ذلك حتى يشيب الغراب وحتى يلج الجمل في سم الخياط ، وقد علم امتناع ذلك فهي إحالة على مستحيل ، وهذا تأويل حكاه المفسرون ولم يشعروا بما فيه . انتهى . وهذا تأويل إنما هو للمعتزلة ومذهبهم أن الكفر والإيمان ليس بمشيئة من الله تعالى ، وقال : فإن قلت : وما معنى قوله : ( الزمخشري وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ) والله تعالى متعال أن يشاء ردة المؤمنين وعودهم في الكفر ، قلت : معناه إلا أن يشاء الله خذلاننا ومنعنا الإلطاف لعلمه تعالى أنها لا تنفع فينا ، ويكون عبثا والعبث قبيح لا يفعله الحكيم ، والدليل عليه قوله : ( وسع ربنا كل شيء علما ) ، أي : هو عالم بكل شيء مما كان ويكون وهو تعالى يعلم أحوال عباده كيف تتحول قلوبهم ، وكيف تنقلب وكيف تقسو بعد الرقة وتمرض بعد الصحة ، وترجع إلى الكفر بعد الإيمان ، ويجوز أن يكون قوله : ( إلا أن يشاء الله ) حسما لطمعهم في العود ؛ لأن مشيئة الله تعالى بعودهم في الكفر محال خارج عن الحكمة . انتهى . وهذان التأويلان على مذهب المعتزلة ، وقيل : هذا الاستثناء إنما هو تسليم وتأدب ، قال ابن عطية : وتعلق هذا التأويل من جهة استقبال الاستثناء ولو كان الكلام إن شاء قوي هذا التأويل . انتهى وليس يقوي هذا التأويل لا فرق بين إلا أن يشاء وبين إلا إن شاء ؛ لأن إن تخلص الماضي للاستقبال كما تخلص أن المضارع للاستقبال ، وكلا الفعلين مستقبل ، وأبعد من ذهب إلى أن الضمير في ( فيها ) يعود على القرية لا على الملة .
( وسع ربنا كل شيء علما ) تقدم تفسير نظيرها في الأنعام في قصة إبراهيم - عليه السلام - .
( على الله توكلنا ) ، أي : في دفع ما توعدتمونا به وفي حمايتنا من الضلال ، وفي ذلك استسلام لله وتمسك بلطفه ، وذلك يؤيد التأويل الأول في إلا أن يشاء الله ، وقال : يثبتنا على الإيمان ويوفقنا لازدياد الإيقان . الزمخشري
( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) ، أي : احكم ، والفاتح والفتاح القاضي بلغة حمير ، وقيل : بلغة مراد ، وقال بعضهم :
ألا أبلغ بني عصم رسولا فإني عن فتاحتكم غني
وقال : ما كنت أعرف معنى هذه اللفظة حتى سمعت بنت ابن عباس ذي يزن تقول لزوجها : تعال [ ص: 345 ] أفاتحك ، أي : أحاكمك ، وقال الفراء أهل عمان يسمون القاضي الفاتح ، وقال ، السدي وابن بحر : احكم بيننا ، قال أبو إسحاق وجائز أن يكون المعنى أظهر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا وبين قومنا وينكشف ذلك ، وذلك بأن ينزل بعدوهم من العذاب ما يظهر به أن الحق معهم ، قال : كان كثير الصلاة ، ولما طال تمادى قومه في كفرهم ويئس من صلاحهم دعا عليهم فاستجاب دعاءه وأهلكهم بالرجفة ، وقال ابن عباس الحسن : إن كل نبي أراد هلاك قومه أمره بالدعاء عليهم ، ثم استجاب له فأهلكهم .