( وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ) . أي : مضت واستمرت من قولهم تم على الأمر إذا مضى عليه ، قال مجاهد : المعنى ما سبق لهم في علمه وكلامه في الأزل من النجاة من عدوهم والظهور عليه ، وقال المهدوي وتبعه : الكلمة قوله تعالى : ( الزمخشري ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ) إلى قوله : ( ما كانوا يحذرون ) . وقيل : هي قوله : ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ) الآية ، وقيل : الكلمة النعمة ، والحسنى تأنيث الأحسن وهي صفة للكلمة وكانت الحسنى ؛ لأنها وعد بمحبوب . قاله الكرماني ، والمعنى : على من بقي من مؤمني بني إسرائيل ( بما صبروا ) ، أي : بصبرهم ، وقرأ الحسن كلمات على الجمع ورويت عن عاصم ، وأبي عمرو ، قال : ونظيره ( الزمخشري لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) . انتهى . يعني [ ص: 377 ] نظير وصف الجمع بالمفرد المؤنث ولا يتعين ما قاله من أن الكبرى نعت لآيات ربه إذ يحتمل أن يكون مفعولا لقوله رأى ، أي الآية الكبرى ، فيكون في الأصل نعتا لمفرد مؤنث لا يجمع ، وهو أبلغ في الوصف .
( ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ) ، أي : خربنا قصورهم وأبنيتهم بالهلاك ، والتدمير : الإهلاك وإخراب الأبنية ، وقيل : ما كان يصنع من التدبير في أمر موسى - عليه السلام - وإخماد كلمته . وقيل : المراد إهلاك أهل القصور والمواضع المنيعة ، وإذا هلك الساكن هلك المسكون ( وما كانوا يعرشون ) ، أي : يرفعون من الأبنية المشيدة كصرح هامان وغيره ، وقال الحسن : المراد عرش الكروم ، ومنه ( جنات معروشات ) ، وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر بضم الراء وباقي السبعة ، والحسن ، ومجاهد ، وأبو رجاء بكسر الراء هنا ، وفي النحل ، وهي لغة الحجاز ، وقال اليزيدي : هي أفصح ، وقرأ ( يعرشون ) بضم الياء وفتح العين وتشديد الراء وانتزع ابن أبي عبلة الحسن من هذه الآية أنه ينبغي أن لا يخرج على ملوك السماء وإنما ينبغي أن نصبر لهم ، وعليهم فإن الله يدمرهم ، وروي عنه وعن غيره : إذا قابل الناس البلاء بمثله ، وكلهم الله إليه ، وإذا قابلوه بالصبر وانتظار الفرج أتى الفرج ، قال : وبلغني أنه قرأ بعض الناس ( يغرسون ) من غرس الأشجار وما أحسبه إلا تصحيفا ، وهذا آخر ما اقتص الله تعالى من نبأ فرعون والقبط وتكذيبهم بآيات الله وظلمهم ومعارضته ، ثم أتبعه اقتصاص نبأ الزمخشري بني إسرائيل وما أحدثوه بعد إنقاذهم من مملكة فرعون ، واستعباده ، ومعاينتهم الآيات العظام ومجاوزتهم البحر من عبادة البقر ، وطلب رؤية الله جهرة ، وغير ذلك من أنواع الكفر والمعاصي ليعلم حال الإنسان ، وأنه كما وصف ظلوم كفار جهول كفور إلا من عصمه الله تعالى و ( وقليل من عبادي الشكور ) وليسلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما رأى من بني إسرائيل بالمدينة .